ثم سار مخفّا على الهجن في البرّيّة إلى الكرك، ومضى إلى دمشق، فقدمها في تاسع جمادى الآخرة، وقصد غزو بهسنا (a) وأخذها من الأرمن، فقدموا إليه وسلّموها من تلقاء أنفسهم، وسلّموا أيضا مرعش وتلّ حمدون.
ومضى من دمشق في ثاني رجب، وعبر من حمص إلى سلميّة، وهجم على الأمير مهنّا بن عيسى وقبضه وإخوته، وحملهم في الحديد إلى قلعة الجبل، ورجع إلى دمشق.
وعاد (b) إلى مصر، فقدم قلعة الجبل في ثامن عشرين رجب، ثم توجّه للصّيد فبلغ الطّرّانة (١)، وانفرد في نفر يسير ليصطاد. فاقتحم عليه الأمير بيدرا في عدّة معه (٢) وقتلوه في يوم السبت ثاني عشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستّ مائة. فكانت مدّته ثلاث سنين وشهرين وأربعة أيّام. ثم حمل ودفن بمدرسته الأشرفيّة (٣).
(a) بولاق: بهنسا. (b) بولاق: وعاد إلى دمشق ثم رجع. (١) الطّرّانة. قرية صغيرة تقع على الشاطئ الغربي لفرع النيل الغربي (فرع رشيد) ضمن قرى مركز كوم حمادة بمحافظة الغربية جنوبي كفر الدّوّار بثلاثة كيلومترات. (محمد رمزي: القاموس الجغرافي للبلاد المصرية ٢/ ٣٣١: ٢). (٢) الأمير بدر الدّين بيدرا المنصوري، نائب السّلطنة بالدّيار المصرية في الدّولة الأشرفيّة خليل بن قلاوون. كان أصله من مماليك المنصور قلاوون وأعزّ أمرائه، ثم تولّى نيابة السّلطنة في عهد ولده الأشرف خليل. وكان السّلطان الأشرف خليل قد غضب عليه لأمور بدرت من نوّابه الذين استولوا على المتاجر بالإسكندرية، واستدعاه إلى القلعة وتهدّده. فتآمر بيدرا مع حسام الدّين لاجين المنصوري على قتل السّلطان. ولمّا تمّ لهم ذلك سلطنه أصحابه ولقّبوه ب «الملك الرحيم» وقيل ب «الملك القاهر» وقيل أيضا ب «الملك الأمجد»، ولكن المماليك الأشرفية لم يمهلوه وقتلوه في اليوم التالي ودخلوا برأسه على رمح إلى القاهرة في ١٣ محرم سنة ٦٩٣ هـ. (انظر مصادر ترجمة الأشرف خليل وأضف إليها، مجهول: تاريخ سلاطين المماليك ٢٩ - ٣٢؛ النويري: نهاية الأرب ٢٦٣: ٣١ - ٢٧٣، ابن الفرات: تاريخ الدول والملوك ١٨٨: ٨؛ العيني: عقد الجمان ٢١٣: ٣ - ٢٢١؛ أبا المحاسن: المنهل الصافي ٤٩٣: ٣ - ٤٩٥). (٣) تقع المدرسة الأشرفية والتّربة الملحقة بها بالقرب من المشهد النّفيسي، وهي من إنشاء السّلطان الأشرف خليل الذي رتّب بها دروسا للفقهاء ومقرئين وخدما للتّربة. (ابن دقماق: الانتصار ١٢٤: ٤). وما زالت القبّة المشتملة على قبر المنشئ قائمة بشارع الأشرف إلى الشّمال من المشهد النّفيسي وتعرف باسم «قبّة الأشرف» أو «تربة الأشرف» ومسجلة بالآثار برقم ٢٧٥، وعليها كتابة تاريخية تفيد بأنّ الأشرف خليل أمر بإنشائها في شهور سنة سبع وثمانين وستّ مائة، وهو ما زال وليّ عهد أبيه، ثم أتمّ عمارتها وزخرفتها بعد أن تسلطن وسجّل بأعلى حوائطها الخارجية جميع ألقابه الملكية. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٢٠: ٨ هـ ١؛ Wiet، G.، RCEA XIII، pp. (٦٥ - ٦٦، n ٤٨٩٥.