وصارت هذه الجزيرة في وسط النّيل، وما برحت تتّسع إلى أن زرعت في أيّام الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف بن أيّوب. فوقفها على المدرسة التي أنشأها في القرافة (a) بجوار قبر الشّافعي ﵁ وكثرت أطيانها بانحسار النّيل عنها في كلّ سنة.
فلمّا كان في أيّام الملك المنصور قلاوون الألفي، تقرّب مجد الدّين أبو الرّوح عيسى بن عمر ابن خالد بن عبد المحسن بن الخشّاب، المتحدّث في الأحباس، إلى الأمير علم الدّين سنجر الشّجاعي بأنّ في أطيان هذه الجزيرة زيادة على ما وقفه السّلطان صلاح الدّين. فأمر بقياس ما تجدّد بها من الرّمال، وجعلها لجهة الوقف الصّلاحي، وأقطع الأطيان القديمة التي كانت في الوقف، وجعلها هي التي زادت.
فلمّا أمر الملك المنصور قلاوون بعمل المارستان المنصوري، وقف بقيّة الجزيرة عليه. فغرس النّاس بها الغروس، وصارت بساتين، وسكن النّاس من المزارعين هناك.
فلمّا كانت أيام الملك النّاصر محمد بن قلاوون، بعد عوده إلى قلعة الجبل من الكرك، وانحسر النّيل عن جانب المقس الغربي،/ وصار ما هنالك رمالا متّصلة من بحريها بجزيرة الفيل المذكورة، ومن قبليها بأراضي اللّوق، افتتح النّاس باب العمارة بالقاهرة ومصر، فعمّروا في تلك الرّمال المواضع التي تعرف اليوم ببولاق خارج المقس، وأنشأوا بجزيرة الفيل البساتين والقصور.
(a) بولاق: بالقرافة. المساكن في المنطقة المعروفة بجزيرة بدران. ولم يستجدّ فيها البناء إلاّ في منتصف القرن التاسع عشر، حيث أنشأ بها الوالي سعيد باشا سنة ١٨٥٨ قصر النّزهة (المدرسة التوفيقية فيما بعد)، ثم تبعه الأعيان وكبار التجار فأنشأوا بها القصور والبساتين على جانبي شارع شبرا، ثم امتدّت المباني إلى شاطئ النيل وترعة الإسماعيلية. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٠٩: ٧ - ٣١٠ هـ ٣). وكان محمد علي باشا قد أنشأ إلى الشمال من ذلك في حي شبرا الخيمة قصرا سنة ١٨٠٨، وفتح شارع شبرا ليكون طريقا يوصّل من القاهرة إلى القصر. وبسبب الأعمال الهندسية التي عملت في مجرى النيل بين سنتي ١٨٦٣ و ١٨٦٥ لتحويل مجراه، ظهرت أرض طرح بحر جديدة سنة ١٨٦٦ هي التي تعرف اليوم بروض الفرج. وبعد أخي الباحث المجدّ محمد أبو العمائم إبراهيم رسالة دكتوراه بكلية الآثار جامعة القاهرة موضوعها: «حي شبرا منذ بداية القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين - دراسة أثرية عمرانية».