وقوّته. ثم عرضت لموسى علّة طالت به وكان بها موته، وثاوره الغلمان وطلبوا منه الأرزاق، وكان ذلك سبب تركه المسير. فلم يلبث موسى بن بغا أن مات، وكفى ابن طولون أمره (١). ولم يزل هذا الحصن على الجزيرة حتى أخذه النّيل شيئا بعد شيء، وقد بقيت منه بقايا متقطّعة إلى الآن.
وقد اختصر القاضي القضاعي ﵀ في ذكر سبب بناء ابن طولون حصن الجزيرة.
وقد ذكر جامع «سيرة ابن طولون»(٢) أنّ صاحب الزّنج لمّا قدم البصرة في سنة أربع وخمسين ومائتين واستفحل أمره (a)، أنفذ إليه أمير المؤمنين المعتمد على اللّه جعفر بن المعتصم بن الرّشيد، رسولا في حمل أخيه الموفّق باللّه أبي أحمد طلحة من مكّة إليه - وكان الخليفة المهتدي باللّه محمد بن الواثق بن المعتصم نفاه إليها - فلمّا وصل إليه - جعل العهد بالخلافة من بعده لابنه المفوّض، وبعد المفوّض تكون الخلافة للموفّق طلحة، وجعل غرب الممالك الإسلامية للمفوّض وشرقها للموفّق، وكتب بينهما بذلك كتابا ارتهن فيه أيمانهما بالوفاء بما قد وقعت عليه الشّروط.
وكان الموفّق يحسد أخاه المعتمد على الخلافة ولا يراه أهلا لها، فلمّا جعل المعتمد الخلافة من بعده لابنه ثم للموفّق بعده، شقّ ذلك عليه، وزاد في حقده. وكان المعتمد متشاغلا بملاذ نفسه من الصّيد واللّعب والتفرّد بجواريه، فضاعت الأمور، وفسد تدبير الأحوال، وفاز كلّ متقلّد (b) عملا بما يتقلّده.
وكان في الشّرط الذي كتبه (c) المعتمد بين المفوّض والموفّق: أنّه ما حدث في عمل كلّ واحد منهما من حدث، كانت النّفقة عليه من مال خراج قسمه. واستخلف على قسم ابنه المفوّض موسى بن بغا، فاستكتب موسى بن بغا عبيد اللّه بن سليمان بن وهب، وانفرد الموفّق بقسمه من ممالك الشّرق، وتقدّم إلى كلّ منهما ألاّ ينظر في عمل الآخر، وخلّد كتاب الشّرط (d) بالكعبة وأفرد الموفّق لمحاربة صاحب الزّنج، وأخرجه إليه وضمّ معه الجيوش.
فلمّا كبر أمره، وطالت محاربته إيّاه، وانقطعت موارد (e) خراج المشرق عن الموفّق، وتقاعد النّاس عن حمل المال الذي كان يحمل في كلّ عام، واحتجّوا بأشياء، دعت الضّرورة الموفّق إلى
(a) بولاق: استعجل أمره. (b) بولاق: من كان متقلدا. (c) بولاق: الشروط التي كتبها. (d) بولاق: كتاب الشروط. (e) بولاق: مواد. (١) الكندي: ولاة مصر ٢٤٤ - ٢٤٥. (٢) البلوي: سيرة أحمد بن طولون ٧٧ - ٨٨.