للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقصد بناء الزّربيّة (a) بجوار (b) الجامع الطّيبرسي، (c)) كان ممّا أرادوا صرفه عن ذلك به قلّة الطّين الذي يبنى به هناك. فركب بنفسه وعينّ مكان البركة المذكورة وأمر بحفرها ونقل الطّين منها للبناء وأجرى الماء إليها من جهة الميدان السّلطاني وتحكير ما حولها وأن تعرف ب «البركة النّاصريّة»، وكان ذلك في سنة إحدى وعشرين وسبع مائة. فلمّا صار إلى القلعة استدعى القاضي فخر الدّين ناظر الجيش وأمره بكتابة أوراق فيها أسماء الأمراء، وبعث بالأمير ركن الدّين بيبرس الحاجب مع المهندسين فقاسوا دور أرض البركة ووزّع بالأقصاب على الأمراء فشرع كلّ أمير فيما خصّه من العمل في ذلك. وكان ابتداء الشّروع في هذا العمل في يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وسبع مائة (c) (١).

فتمادى الحفر إلى جانب كنيسة الزّهري - وكان إذ ذاك في تلك الأرض عدّة كنائس، ولم يكن هناك شيء من العمائر التي هي اليوم حول البركة النّاصرية، ولا من العمائر التي في خطّ قناطر السّباع، ولا في خطّ السّبع سقايات إلى قنطرة السّدّ، وإنّما كانت بساتين وكنائس وديورة للنّصارى - فاستولى الحفر على ما حول كنيسة الزّهري، وصارت في وسط الحفر حتى تعلّقت؛ وكان القصد أن تسقط من غير تعمّد هدمها، فأراد اللّه تعالى هدمها على يد العامّة، كما ذكر في خبرها عند ذكر كنائس النّصارى من هذا الكتاب (٢).

فلمّا تمّ حفر البركة نقل ما خرج منها من الطّين إلى الزّربية، وأجري إليها الماء من جوار الميدان السّلطاني الكائن بأراضي بستان الخشّاب عند موردة البلاط (٣). فلمّا امتلأت بالماء صارت مساحتها سبعة أفدنة، فحكر النّاس ما حولها، وبنوا عليها الدّور العظيمة. وما برح خطّ البركة النّاصريّة عامرا إلى أن كانت الحوادث من سنة ستّ وثمان مائة، فشرع النّاس في هدم ما عليها من الدّور، فهدم كثير ممّا كان هناك، والهدم مستمرّ إلى يومنا هذا (٤).


(a) بولاق: الزربية.
(b) بولاق والنسخ: وأراد بناء الزربية بجانب، والمثبت من المسودة.
(c-c) هذه الفقرة من مسودة الخطط عوضا عن الفقرة الموجودة في النسخ وبولاق.
(١) المقريزي: مسودة الخطط ١٦٣ و- ظ وبقية الخبر أورده المقريزي في المبيضة عند ذكر واقعة الكنائس في آخر الكتاب.
(٢) فيما يلي ٥١٢: ٢ - ٥١٧.
(٣) انظر عن موردة البلاط فيما تقدم ٤٨٢ هـ ١.
(٤) المقريزي: مسودة الخطط ١٦٣ و- ظ، وأورد بعد ذلك خبرا عن كنيسة الحمراء سيرد فيما يلي ٥١٦: ٢ - ٥١٧.