للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعندما أيس من ذلك أسلم، فقدّم على الدّواوين حتّى مات. فخلفه ابنه أبو المكارم أسعد ابن مهذّب، الملقّب بالخطير، على ديوان الجيش، واستمرّ في ذلك مدّة أيام السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب وأيّام ابنه الملك العزيز عثمان، وولي نظر الدّواوين أيضا، واختصّ بالقاضي الفاضل وحظي عنده، وكان يسمّيه بلبل المجلس لما يرى من حسن خطابه.

وصنّف عدّة مصنّفات: منها «تلقين اليقين» فيه الكلام على حديث «بني الإسلام على خمس … »، وكتاب «حجّة الحقّ على الخلق» في التّحذير من سوء عاقبة الظّلم، وهو كبير، وكان السّلطان صلاح الدّين يكثر النّظر فيه، وقال فيه القاضي الفاضل: وقفت من الكتب على ما لا تحصى عدّته، فما رأيت واللّه كتابا يكون قبالة باب منه، وإنّه واللّه من أهمّ ما طالعه الملوك.

وكتاب «قوانين الدّواوين» صنّفه للملك العزيز، فيما يتعلّق بدواوين مصر ورسومها وأصولها وأحوالها، وما يجري فيها، وهو أربعة أجزاء ضخمة، والذي يقع في أيدي النّاس جزء واحد اختصره منه غير المصنّف. فإنّ ابن ممّاتي ذكر فيه أربعة آلاف ضيعة من أعمال مصر، ومساحة كلّ ضيعة، وقانون ريّها، ومتحصّلها من عين وغلّة. ونظم سيرة السّلطان صلاح الدّين يوسف، ونظم «كليلة ودمنة»، وله ديوان شعر (١).

ولم يزل بمصر حتى ملك السّلطان الملك العادل أبو بكر بن أيّوب، ووزر له صفيّ الدّين عليّ ابن عبد اللّه بن شكر، فخافه الأسعد لما كان يصدر منه في حقّه من الإهانة. وشرع الوزير ابن شكر في العمل عليه، ورتّب له مؤامرات ونكبه، وأحال عليه الأجناد. ففرّ من القاهرة وسقط في حلب، فخدم بها حتى مات في يوم الأحد سلخ جمادى الأولى سنة ستّ وستّ مائة عن اثنتين وستين سنة.

وكان سبب تلقيب أبي مليح بممّاتي أنّه كان عنده، في غلاء مصر في أيّام المستنصر، قمح كثير، وكان يتصدّق على صغار المسلمين وهو إذ ذاك نصراني، وكان الصّغار إذا رأوه/ قالوا:

ممّاتي، فلقّب بها.


(١) انظر قائمة بمؤلّفات ابن ممّاتي عند، الصفدي: الوافي بالوفيات ٢٠: ٩؛ المقريزي: المقفى الكبير ٨٤: ٢ - ٨٥؛ Brockelmann، C.، GALI، ٣٣٥، SI، ٥٧٣؛ وهذا النص موجود كذلك عند المقريزي في المقفى الكبير ٨٥: ٢.
وما وصل إلينا من كتاب «قوانين الدّواوين» ليس أصل الكتاب، وإنّما مختصره الذي يشير إليه المقريزي هنا، ونشره عزيز سوريال عطية بالقاهرة سنة ١٩٤٣ ضمن مطبوعات الجمعية الزراعية الملكية.