للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدّيلم والأتراك، وتحدّث في وزارة الحضرة حتى تقلّدها، بغير خلع ولا لقب ولا مفارقة الدّرّاعة، في شهر رمضان سنة خمس عشرة وأربع مائة، فأقام شهورا، وأغرى رجال الدّولة بعضهم ببعض.

وكانت أمور طويلة آلت إلى خروجه من الحضرة إلى قرواش، فتجدّد للقادر باللّه فيه سوء ظنّ بسبب ما أثاره من الفتنة العظيمة بالكوفة، حتى ذهبت فيها عدّة نفوس وأموال. ففرّ إلى أبي نصر بن مروان، فأكرمه وأقطعه ضياعا وأقام عنده، فكوتب من بغداد بالعود إليها، فبرز عن ميافارقين يريد المسير إلى بغداد فسمّ هناك، وعاد إلى المدينة فمات بها لأيّام خلت من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربع مائة. ومولده بمصر ليلة الثالث عشر من ذي الحجّة سنة سبعين وثلاث مائة.

وكان أسمر شديد السّمرة، بساطا عالما بليغا مترسّلا، متفنّنا في كثير من العلوم الدّينية والأدبية والنّحوية، مشارا إليه في قوّة الذّكاء والفطنة وسرعة الخاطر والبديهية، عظيم القدر، صاحب سياسة وتدبير وحيل كثيرة وأمور عظام. دوّخ الممالك، وقلّب الدّول، وسمع الحديث، وروى وصنّف عدّة تصانيف. وكان ملولا حقودا، لا تلين كبده، ولا تنحلّ عقده، ولا يحنى عوده، ولا ترجى وعوده. وله رأي يزيّن له العقوق، ويبغض إليه رعاية الحقوق، كأنّه من كبره قد ركب الفلك، واستولى على ذات الحبك.

وكان بمصر من بني المغربي أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين المغربي، قد قتل الحاكم جدّه محمدا مع أبيه عليّ بن الحسين كما تقدّم (١). فلمّا نشأ أبو جعفر صار إلى العراق وخدم هناك، وتنقّلت به الأحوال، ثم عاد إلى مصر، واصطنعه الوزير اليازوري (a)، وولاّه ديوان الجيش، وكانت السّيّدة أم المستنصر تعنى به. فلمّا مات الوزير اليازوري (a)، وولي بعده الوزير أبو الفرج عبد اللّه بن محمد البابلي، قبض عليه في جملة أصحاب اليازوري (a) واعتقله.

فتقرّرت له الوزارة وهو في الاعتقال، وخلع عليه في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة خمسين وأربع مائة، ولقّب ب «الوزير الأجلّ الكامل الأوحد صفيّ أمير المؤمنين وخالصته»، فما تعرّض لأحد، ولا فعل في البابليّ ما فعله البابليّ فيه وفي أصحاب اليازوري، فأقام سنتين


(a) بولاق: البارزي.
(١) فيما تقدم ٤٤٣: ٢ - ٤٤٤.