وقدم إلى مصر في جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة، وخدم بها وتقدّم في الخدم، فحرّض العزيز على أخذ حلب. فقلّد بنجوتكين بلاد الشّام، وضمّ إليه أبا الحسن بن المغربي ليقوم بكتابته ونظر الشّام وتدبير الرّجال والأموال. فسار إلى دمشق في سنة ثلاث وثمانين وثلاث مائة، وخرج إلى حلب، وحارب أبا الفضائل بن حمدان وغلامه لؤلؤ، فكاتب لؤلؤ أبا الحسن بن المغربي، واستماله حتى صرف بنجوتكين عن محاربة حلب، وعاد إلى دمشق.
وبلغ ذلك العزيز باللّه، فاشتدّ حنقه على ابن المغربي، وصرفه بصالح بن عليّ الرّوذباري، واستقدم ابن المغربي إلى مصر. ولم يزل بها حتى مات العزيز باللّه، وقام من بعده ابنه الحاكم بأمر اللّه أبو عليّ منصور، فكان هو وولده أبو القاسم حسين من جلسائه. فلمّا شرع الحاكم بأمر اللّه في قتل رجال الدّولة من القوّاد والكتّاب والقضاة، قبض على عليّ ومحمد ابني المغربي وقتلهما، ففرّ منه أبو القاسم حسين بن عليّ بن المغربي إلى حسّان بن مفرّج بن الجرّاح، فأجاره.
وقلّد الحاكم يارختكين (a) الشّام. فخافه ابن جرّاح لكثرة عساكره، فحسّن له ابن المغربي مهاجمته، فطرق يارختكين (a) في مسيره على غفلة وأسره، وعاد إلى الرّملة فشنّ الغارات على رساتيقها، وخرج العسكر الذي بالرّملة فقاتل العرب قتالا شديدا كادت العرب أن تنهزم لولا ثبّتها ابن المغربي، وأشار عليهم بإشهار النّداء بإباحة النّهب والغنيمة فثبتوا، ونادوا في النّاس، فاجتمع لهم خلق كثير، وزحفوا إلى الرّملة فملكوها، وبالغوا في النّهب والهتك والقتل.
فانزعج الحاكم لذلك انزعاجا عظيما، وكتب إلى مفرّج بن جرّاح يحذّره سوء العاقبة، ويلزمه بإطلاق يارختكين (a) من يد حسّان ابنه ورساله إلى القاهرة، ووعده على ذلك بخمسين ألف دينار. فبادر ابن المغربي لمّا بلغه ذلك إلى حسّان، ومازال يغريه بقتل يارختكين (a) حتى أحضره وضرب عنقه. فشقّ ذلك على مفرّج، وعلم أنّه فسد ما بينه وبين الحاكم.
فأخذ ابن المغربي يحسّن لمفرّج خلع طاعة الحاكم والدّعاء لغيره إلى أن استجاب له. فراسل أبا الفتوح الحسن بن جعفر العلوي أمير مكّة يدعوه إلى الخلافة، وسهّل له الأمر، وسيّر إليه بابن المغربي يحثّه على المسير، وجرّأه على أخذ مال تركه بعض المياسير، ونزع المحاريب الذّهب والفضّة المنصوبة على الكعبة وضربها دنانير ودراهم وسمّاها الكعبيّة.