الصّاحب أمين الدّين الخانقاه بجوار داره، وعمّر أيضا كريم الدّين الصّغير حتى اتّصلت العمارة بمنشأة المهراني.
فصار ساحل النّيل من خطّ دير الطّين قبليّ مدينة مصر إلى منية السّيرج بحري القاهرة مسافة لا تقصر عن أزيد من نصف بريد بكثير، كلّها منتظمة بالمناظر العظيمة، والمساكن الجليلة، والجوامع والمساجد، والخوانك والحمّامات، وغيرها من البساتين. لا تجد فيما بين ذلك خرابا ألبتّة.
وانتظمت العمارة من وراء الدّور المطلّة على النّيل حتى أشرفت على الخليج. فبلغ هذا البرّ الغربي من وفور العمارة، وكثرة النّاس، وتنافسهم في الإقبال على اللّذّات، وتأنّقهم في الانهماك في المسرّات، ما لا يمكن وصفه ولا يتأتّى شرحه.
حتى إذا بلغ الكتاب أجله، وحدثت المحن من سنة ستّ وثمان مائة، وتقلّص ماء النّيل عن البرّ الشّرقي، وكثرت حاجات النّاس وضروراتهم، وتساهل قضاة المسلمين في الاستبدال في الأوقاف وبيع نقضها، اشترى شخص الرّبعين والحمّامين ودار الوكالة التي ذكرت على زربيّة (a) السّلطان بجوار الجامع الطّيبرسي في سنة سبع وثمان مائة، وهدم ذلك كلّه، وباع أنقاضه، وحفر الأساسات، واستخرج ما فيها من الحجر وعمله جيرا، فنال من ذلك ربحا كثيرا.
وتتابع الهدم في شاطئ النّيل، وباع النّاس أنقاض الدّور، فرغب في شرائها الأمراء والأعيان وطلاّب الفوائد من العامّة. حتى زال جميع ما هنالك من الدّور العظيمة والمناظر الجليلة، وصار السّاحل - من منشأة المهراني إلى قريب من بولاق - كيمانا موحشة وخرائب
(a) بولاق: زريبة. السّلطان النّاصر محمد بن قلاوون الواقعة في قبلي الجامع الطّيبرسي (الذي عرف بعد ذلك باسم جامع الأربعين وحلّ محلّه الآن الجامع المعروف بجامع عمر مكرم المطلّ على ميدان سيمون بوليفار ومبنى مجمّع التحرير)، فيكون موقع المنشأة الآن مكان الجزء الجنوبي الشرقي لحي جاردن سيتي وجزء من حيّ المنيرة في المنطقة المحصورة بين شارع الدكتور حندوسة وشارع بستان الفاضل في امتداده جنوبا، وشارع عائشة التيمورية وما في امتداده شمالا. (محمد الششتاوي: متنزهات القاهرة ٣٩ - ٤١).