للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنشأ هناك القاضي علاء الدّين (a) بن الأثير كاتب السّرّ (b) دارا على النّيل، وبنى النّاس بجواره، فعرف ذلك الخطّ ب «حكر ابن الأثير»، واتّصلت العمارة من بولاق إلى فم الخور، ومن فم الخور إلى حكر ابن الأثير (١). وما برح فيه من مساكن الأكابر من الوزراء والأعيان ومن الدّور العظيمة ما يتجاوز الوصف.

وأمّا الزّربيّة (c) (٢) فإنّ الملك النّاصر محمد بن قلاوون، لمّا وهب البستان الذي كان بالميدان الظّاهري للأمير قوصون، أنشأ قدّامه على النّيل زربيّة (c) ووقفها (٣). فعمّر النّاس هناك حتى انتظمت العمارة من حكر ابن الأثير إلى الزّربيّة (c)، وعمر هناك حمّام وسوق كبير وطواحين وعدّة مساكن اتّصلت باللّوق.


(a) بياض بآياصوفيا.
(b) بولاق: دارا على النيل وكان إذ ذاك كاتب السر.
(c) بولاق: الزريبة. الجنوب ميدان عبد المنعم رياض، وتمتد شمالا حتى شارع ٢٦ يولية (فؤاد الأول سابقا) بحي بولاق، ومن الغرب نهر النيل، ومن الشرق شارع رمسيس.
(١) يدلّ على موضع حكر ابن الأثير الآن المنطقة المعروفة بعشش الترجمان في الجهة الجنوبية من بولاق، ويحدّها من الغرب شارع ساحل الغلال الموصل الآن بين فندق هيلتون رمسيس ومبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو، ومن الجنوب والشرق شارع الجلاء (شارع فم الترعة البولاقية سابقا). (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٨٤: ٩ هـ ١).
(٢) الزّربيّة لا الزربية. نوع من الأرصفة المبنية على أوتاد أو دعائم على شواطئ النيل أو البرك. وصف عبد اللطيف البغدادي في نهاية القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي كيفية بناء المصريين لها، يقول: «وأمّا المسنّاه فيسمّونها «الزّربيّة»، ولهم في بنائها إتقان وحسن، صفته أن يحفر الأساس حتى تظهر النّداوة ونزير الماء، فحينئذ يوضع ملبّن من خشب الجمّيز أو نحوه على تلك الأرض النّديّة بعدما تمهّد ويكون عرضه نحو ثلثي ذراع وقطر حلقته نحو ذراعين، مثل الذي يجعل في قعر الآبار، ثم يبنى عليه بالطّوب والجير نحو قامتين فيصير بمنزلة التّنّور، فيأتي الغوّاصون وينزلون هذه البئر ويحفرونها وكلّما نبع الماء نزحوه مع الطّين والرّمل ويحفرون أيضا تحت الملبّن، فكلّما تخلخل ما تحته وثقل بما عليه من البناء نزل، وكلّما نزل غاصوا عليه وحفروا تحته، والبناء في أثناء ذلك يبنى عليه ويرفعه؛ ولا يزال البناء يرفع والغوّاص تحته يحفر وهو بثقله يغوص حتى يستقرّ على أرض جلدة ويصل إلى الحدّ الذي يعرفونه، فحينئذ ينتقلون إلى عمل آخر مثله على سمته وعلى بعد أربعة أذرع منه أو نحوها، ولا يزالون يفعلون ذلك في جميع طول الأساس المفروض، ثم يبنون الأساس كالعادة بعد ردم هذه الآبار فترجع أوتادا قاسية للبناء وعمدا تدعمه وتوثقه. (الإفادة والاعتبار ٦٩؛ Garcin، J. -Cl.، «Toponymie et topographie urbaines medievales a Foustat et au Caire»، (JESHO XXVII (١٩٨٤)، p. ١٣٣ n. ٨١.
(٣) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٩٣: ٩ - ١٩٤. -