قال: فوصفته بصفة من صفته ولم آت عليها. قال: قد بقيت أشياء لم أرك ذكرتها: في عينيه حمرة قلّ ما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النّبوّة، يركب الحمار، ويلبس الشّملة، ويجتزي بالتّمرات والكسر، لا يبالي من لاقى من غمّ ولا ابن عم؛ قلت: هذه صفته؛ قال: قد كنت أعلم أنّ نبيّا بقي، وقد كنت أظنّ أنّ مخرجه الشّام، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج في أرض العرب، في أرض جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني في اتّباعه، ولا أحبّ أن تعلم بمحاورتي إيّاك، وسيظهر على البلاد، وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما ههنا، وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفا، فارجع إلى صاحبك.
قال: ثم دعا كاتبا يكتب بالعربية فكتب:
«لمحمّد بن عبد اللّه من المقوقس عظيم القبط، سلام.
أمّا بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت وما تدعو إليه، وقد علمت أنّ نبيّا قد بقي، وقد كنت أظنّ أنّ نبيّا يخرج بالشّام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسّلام».
وعن عبد الرّحمن بن عبد القاري قال: لمّا مضى حاطب بكتاب رسول اللّه ﷺ، قبل المقوقس الكتاب، وأكرم حاطبا، وأحسن نزله، ثم سرّحه إلى رسول اللّه ﷺ، وأهدى له كسوة وبغلة بسرجها، وجاريتين: إحداهما أمّ إبراهيم، ووهب الأخرى لجهم بن قيس العبدري، فهي أمّ زكرياء ابن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر، ويقال: بل وهبها رسول اللّه ﷺ لمحمّد بن مسلمة الأنصاري، ويقال: بل لدحية بن خليفة الكلبي، وقيل: بل لحسّان بن ثابت (١).
وعن يزيد بن أبي حبيب أنّ المقوقس لمّا أتاه كتاب رسول اللّه ﷺ ضمّه إلى صدره وقال: هذا زمان يخرج فيه النّبيّ الذي نجد نعته وصفته في كتاب اللّه تعالى، وإنّا لنجد صفته أنّه لا يجمع بين أختين في ملك يمين ولا نكاح، وأنّه يقبل الهديّة ولا يقبل الصّدقة، وأنّ جلساءه المساكين، وأنّ خاتم النّبوّة بين كتفيه.
ثم دعا رجلا عاقلا، ثم لم يدع بمصر أحسن ولا أجمل من مارية وأختها، وهما من أهل جفن بفتح أوّله وسكون ثانية ثم نون بعده من كورة أنصنا، فبعث بهما إلى رسول اللّه ﷺ،
(١) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٤٥ - ٤٧؛ وانظر أيضا، القلقشندي: صبح الأعشى ٣٧٨: ٦؛ محمد حميد اللّه: مجموعة الوثائق السياسية في العصر النبوي والخلافة الراشدة، القاهرة ١٩٤١، ٥٧ - ٦٣.