قال جامع «السّيرة الظّاهريّة» (a): وفي سابع عشر المحرّم من سنة سبع وستين وستّ مائة، حثّ السّلطان الملك الظّاهر ركن الدّين بيبرس البندقداري جميع النّاس على رمي النّشّاب ولعب الرّمح، خصوصا خواصّه ومماليكه. ونزل إلى الفضاء بباب النّصر ظاهر القاهرة - ويعرف بميدان العيد - وبنى مسطبة هناك، وأقام ينزل في كلّ يوم من الظّهر، ويركب منها عشاء الآخرة، وهو واقف في الشّمس يرمي ويحرّض النّاس على الرّمي والرّهان. فما بقي أمير ولا مملوك إلاّ وهذا شغله، واستمرّ الحال في كلّ يوم على ذلك حتى صارت تلك الأمكنة لا تسع النّاس، وما بقي لأحد شغل إلاّ لعب الرّمح ورمى النّشّاب (١).
قال (b): وفي شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وستّ مائة، تقدّم السّلطان الملك الظّاهر إلى عساكره بالتأهّب للركوب واللّعب بالقبق ورمي النّشّاب (٢). واتّفقت نادرة غريبة، وهو أنّه أمر برشّ الميدان الأسود تحت القلعة لأجل اللّعب، فشرع الناس في ذلك، وكان يوما شديدا الحرّ، فأمر السّلطان بتبطيل الرّشّ رحمة للنّاس، وقال: النّاس صيام، وهذا يوم شديد الحرّ؛ فبطّل الرّشّ. وأرسل اللّه تعالى مطرا جودا استمرّ ليلتين ويوما حتى كثر الوحل، وتلبّدت الأرض، وسكن العجاج، وبرد الجوّ، ولطف الهواء. فوكّل السّلطان من يحفظه من السّوق فيه يوم اللّعب - وهو يوم الخميس السادس والعشرون من شهر رمضان - وأمر بركوب جماعة لطيفة من كلّ عشرة اثنان، وكذلك من كلّ أمير ومن كل مقدّم لئلا تضيق الدّنيا بهم. فركبوا في أحسن زيّ وأجمل لباس وأكمل شكل وأبهى منظر، وركب السّلطان ومعه من خواصّه ومماليكه ألوف، ودخلوا في الطّعان بالرّماح. فكلّ من أصاب خلع عليه السّلطان. ثم ساق في مماليكه الخواصّ خاصّة، ورتّبهم أجمل ترتيب، واندفق بهم اندفاق البحر، فشاهد النّاس أبّهة عظيمة.
(a) في المسودة: قال في «سيرة الملك الظاهر بيبرس» ومنها نقلت. (b) إضافة من المسودة. الفارس النّاشب وحصانه يجري. ثم صارت اللفظة تعني التمرين كلّه الذي استخدمت فيه أنواع أخرى من الأهداف. ورمي القبق تقليد تحدّر ربّما من شعوب آسيا الوسطى الرعوية، واشتقّ في الأصل من ممارسة صيد الطّير بالنّشّاب من على ظهور الخيل، إلاّ أنّ تاريخه الرسمي والموثّق كأحد التمارين الأساسية لإعداد الفارس النّاشب، لم يبدأ حقّا إلاّ مع دولة المماليك. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٦: ٨؛ Abd ar-Raziq، A.، «Deux jeux sportifs au temps des Mamluks»، An.L ٢ Isl.XII (١٩٧٤)، pp. ٩٦ - ١٠٧؛ شهاب الصّرّاف: «أدب الفروسية في العصرين العباسي والمملوكي»، الفروسية ١، فنون الفروسية في تاريخ المشرق والمغرب، ١١٤). (١) ابن عبد الظاهر: الروض الزاهر ٣٣٨؛ المقريزي: السلوك ٥٧٣: ١، مسودة الخطط ١٤٣ و. (٢) نفسه ٤٢٤؛ نفسه ٦١١: ١، نفسه ١٤٣ و.