للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنكرات من الخمر والمزر والحشيش وبيوت الزّواني بأموال، وسمّى هذه الجهات ب «الحقوق السّلطانية والمعاملات الدّيوانية» (١).

وتمكّن من الدّولة تمكّنا زائدا إلى الغاية، بحيث إنّه سار إلى بلاد الصّعيد بعساكر لمحاربة بعض الأمراء، وكان الملك المعزّ أيبك يكاتبه بالمملوك، وكثر ماله وعقاره، حتى إنّه لم يبلغ صاحب قلم في هذه الدّول ما بلغه من ذلك، واقتنى عدّة مماليك منهم من بلغ ثمنه ألف دينار مصرية. وكان يركب في سبعين مملوكا من مماليكه سوى أرباب الأقلام والأتباع، وخرج بنفسه إلى أعمال مصر واستخرج أموالها. وكان ينوب عنه في الوزارة زين الدّين يعقوب بن الزّبير، وكان فاضلا يعرف باللّسان التّركي، فصار يضبط له مجالس الأمراء ويعرّفه ما يدور بينهم من الكلام.

فلم يزل على تمكّنه وبسط يده وعظم شأنه إلى أن قتل الملك المعزّ، وقام من بعده ابنه الملك المنصور نور الدّين عليّ وهو صغير، فاستقرّ على عادته حتى شهد عليه الأمير سابق الدّين بوزنا (a) الصّيرفي (٢) والأمير ناصر الدّين محمد بن الأطروش الكردي أمير جاندار أنّه قال: المملكة لا تقوم بالصّبيان الصّغار، والرأي أن يكون الملك النّاصر صاحب الشّام ملك مصر، وأنّه قد عزم على أن يسير إليه يستدعيه إلى مصر ويساعده على أخذ المملكة. فخافت أمّ السّلطان منه، وقبضت عليه وحبسته عندها بقلعة الجبل، ووكّلت بعذابه الصّارم أحمر عينه العمادي الصّالحي، فعاقبه عقوبة عظيمة، ووقعت الحوطة على سائر أمواله وأسبابه وحواشيه، وأخذ خطّه بمائة ألف دينار، ثم خنق لليال مضت من جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وستّ مائة، ولفّ في نخّ ودفن بالقرافة. واستقرّ من بعده في الوزارة قاضي القضاة بدر الدّين السّنجاري مع ما بيده من قضاء القضاة.

ولم تزل هذه القيساريّة باقية - وكانت تعرف بقيساريّة النّشّاب - إلى أن أخذها الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار (b)، هى والحوانيت على يمنة من سلك من الخرّاطين يريد الجامع الأزهر - وفيما بينهما كان باب هذه القيساريّة، وكانت هذه الحوانيت تعرف بوقف خمرتاش (c) - وهدم


(a) بولاق: بوزبا.
(b) مسودة الخطط: اليجاسي.
(c) بولاق: تمرتاس.
(١) انظر فيما تقدم ٢٨٣: ١؛ فيما يلي ٤٠٩، ٥٩٨.
(٢) انظر بعض أخبار الأمير سابق الدّين بوزنا الصيرفي عند، أبي المحاسن: النجوم الزاهرة ٤٣: ٧، ١١٧، ١٢: ٩.