للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكان له مع ذلك على الإسلام منّة توجب أن يترحّم عليه المسلمون كلّهم. وهى أنّ فرنج الشّوبك والكرك توجّهوا نحو مدينة رسول اللّه لينبشوا قبره ، وينقلوا جسده الشّريف المقدّس إلى بلادهم، ويدفنوه عندهم، ولا يمكّنوا المسلمين من زيارته إلا بجعل.

فأنشأ البرنس أرناط - صاحب الكرك - سفنا حملها على البرّ إلى بحر القلزم، وأركب فيها الرّجال، وأوقف مركبين على جزيرة قلعة القلزم تمنع أهلها من استقاء الماء. فسارت الفرنج نحو عيذاب، فقتلوا وأسروا، ومضوا يريدون المدينة النّبويّة، على ساكنها أفضل الصّلاة والتّسليم، وذلك في سنة ثمان وسبعين (a) وخمس مائة.

وكان السّلطان صلاح الدّين يوسف بن أيّوب على حرّان، فلمّا بلغه ذلك بعث إلى سيف الدّولة (b) بن منقذ - نائبه على مصر - يأمره بتجهيز الحاجب [حسام الدّين] (c) لؤلؤ خلف العدوّ. فاستعدّ لذلك، وأخذ معه قيودا، وسار في طلبهم إلى القلزم، وعمّر هناك مراكب، وسار إلى أيلة فوجد مراكب للفرنج فحرقها وأسر من فيها. وسار إلى عيذاب، وتبع الفرنج حتى أدركهم ولم يبق بينهم وبين المدينة النّبويّة، على ساكنها أفضل الصّلاة والتّسليم، إلاّ مسافة يوم - وكانوا ثلاث مائة ونيّفا، وقد انضمّ إليهم عدّة من العربان المرتدّة - فعند ما لحقهم لؤلؤ، فرّت العربان فرقا من سطوته، ورغبة في عطيّته، فإنّه كان قد بذل الأموال، حتى إنّه علّق أكياس الفضّة على رءوس الرّماح. فلمّا فرّت العربان التجأ الفرنج إلى رأس جبل صعب المرتقى، فصعد إليهم في عشرة أنفس وضايقهم فيه، فخارت قواهم بعد ما كانوا معدودين من الشّجعان، واستسلموا، فقبض عليهم وقيّدهم، وحملهم إلى القاهرة. فكان لدخولهم يوم مشهود، وتولّى قتلهم الصّوفيّة والفقهاء وأرباب الدّيانة، بعد ما ساق رجلين من أعيان الفرنج إلى منى، ونحرهما هناك كما تنحر البدن التي تساق هديا إلى الكعبة (١).


(a) بولاق: وتسعين.
(b) بياض مقدار كلمة في آياصوفيا.
(c) إضافة من السلوك.
(١) استهدف مشروع البرنس أرناط Renauld de Chatillon، صاحب الكرك، من هذه المغامرة التي لم يكتب لها النجاح، قطع طريق الحجّ على المسلمين وضرب العالم الإسلامي في قلبه بالاستيلاء على الحرمين الشّريفين، وكذلك الاستيلاء على عدن التي تتحكّم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وبذلك يتمكّن الفرنج بفضل سيطرتهم على أيلة في الشّمال وعدن في الجنوب، من إغلاق البحر الأحمر في وجه أعدائهم واحتكار تجارة الهند، بعد أن كان البحر الأحمر بحرا -