فلم تزل جارية في وقفها إلى أن اغتصبها الوزير الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار فيما أخذ من الأوقاف، وجعلها وقفا على مدرسته بخطّ رحبة باب العيد من القاهرة.
وجعلت خوند بركة من جملة هذه الدّار قاعة لم يعمّر فيها سوى بوّابتها لا غير، وهي أجلّ بوّابات الدّور، وقد دخلت أيضا فيما أخذه جمال الدّين، وصارت بيد مباشري مدرسته إلى أن أخذها السّلطان الملك الأشرف أبو النّصر (a) برسباي الدّقماقي الظّاهري، وابتدأ بعملها وكالة في شوّال سنة خمس وعشرين وثمان مائة، فكملت في رجب سنة ستّ وعشرين، وغيّر من الطّراز المنقوش في الحجارة بجانبي باب الدّخول اسم شعبان بن حسين وكتب برسباي، فجاءت من أحسن المباني، ويعلوها طباق للسّكنى.
ولم يسخّر في عمارتها أحد من النّاس كما أحدثه ولاة السّوء في عمائرهم، بل كان العمّال من البنّائين والفعلة ونحوهم يوفّون أجورهم من غير عنف ولا عسف، فإنّه كان القائم على عمارتها القاضي زين الدّين عبد الباسط بن خليل ناظر الجيش، وهذه عادته في أعماله أن لا يكلّف فيها العمّال غير طاقتهم، ويدفع إليهم أجرهم (b).
(a) بولاق: أبو العزيز. (b) بولاق: أجورهم، وعلى هامش نسخة آياصوفيا أمام هذا الموضع: بياض عدة أوراق نحو نصف كراسة. (سفرنامة ٨٩). وقد استعمل ناصر خسرو لفظ «بيت» للتدليل على «الرّبع». ووصف سجلّ حفظه القلقشندي هذه البيوت ب «الرّباع السّلطانية» (صبح الأعشى ٤٥٠: ١٠). وتحصّل أجرة هذه الرّباع - تبعا لناصر خسرو والمخزومي - مشاهرة. وتعدّ «الرّباع» خاصّيّة قاهرية، وهي نوع من البيوت المجهزّة، يمكن أن نجد بها ما بين عشرة وخمس عشرة وحدة، كلّ منها يمكن أن يستوعب نحو عشرة أفراد ويقطنها عوامّ النّاس، وهي بذلك تشبه ال insula الرومانية وتوجد الرّباع عادة في الشوارع الكبيرة وبالقرب من الأسواق، على عكس الدّور الخاصّة، ونادرا ما يكون بها حوش، وتبنى عادة أعلى صفّ من الدّكاكين أو مخازن البضائع. (راجع، Clerget، M.، Le Caire I، pp. ٣١٦ - ١٧; Zakariya، M.، «Le rab de Tabbana»، An. ISl.XVI (١٩٨٠)، pp. ٢٧٤ - ٩٧; Raymond، A.، «Le rab، un habitat collectif au Caire a l'epoque ottomane»، MUSJL/ ٣ (١٩٨٤)، pp. ٥٣١ - ٥١; Fuad Sayyid، A.، La Capitale de l'Egypte، pp. ٢٢٧ - ٢٨؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٠٣: ١٠ هـ ٣).