للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن عبد الحكم، وأبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس (١) وغيرهما، عن أبي رهم السّماعي، أنّه قال في قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ اَلْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ قال:

ولم يكن يومئذ في الأرض ملك أعظم من ملك مصر، وكان جميع أهل الأرضين يحتاجون إلى مصر. وأمّا الأنهار فكانت قناطر وجسورا بتقدير وتدبير، حتى إن الماء يجري من تحت منازلها وأفنيتها فيحبسونه كيف شاءوا (٢).

فهذا ما ذكره اللّه سبحانه في مصر من آي الكتاب العزيز بصريح الذّكر.

وأمّا ما وقعت إليها الإشارة فيه من الآيات فعدّة.

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ﴾ [الآية ٩٣ سورة يونس]؛ وقال تعالى:

﴿وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ﴾ [الآية ٥٠ سورة المؤمنون]، قال ابن عبّاس وسعيد بن المسيّب ووهب بن منبّه: هي مصر، وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: هي الإسكندرية.

وقال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * * وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ﴾ [الآيتان ٥٧، ٥٨ سورة الشعراء]؛ وقال تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * * وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ * * وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ﴾ [الآيات ٢٥ - ٢٧ سورة الدخان]. قال ابن يونس: وفي قول اللّه سبحانه: ﴿فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * * وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ﴾ قال أبو رهم: كانت الجنّات بحافتي النّيل من أوّله إلى آخره من الجانبين، ما بين أسوان إلى رشيد، وسبعة خلج: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج سردوس، وخليج منف، وخليج الفيّوم وخليج المنهى [جنّات] (a) متّصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين كلّه من أوّل مصر إلى آخرها مما


(a) زيادة من ابن عبد الحكم.
(١) أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصّدفي المتوفى سنة ٣٤٧ هـ/ ٩٥٨ م محدث حافظ ثبت، قال الصفدي: «كان إماما في فن التاريخ، روى عن ابن منده وأبي محمد بن النحّاس وعبد الواحد بن محمد البلخي وجماعة من الرحالة والمغاربة، وله كلام في الجرح والتعديل يدل على بصره بالرجال ومعرفته بالعلل» (الصفدي الوافي بالوفيات ١٠٨: ١٨ - ١٠٩). ألّف في تاريخ مصر كتابين أحدهما «تاريخ مصر» وهو الأكبر يختص بالمصريين؛ والآخر «كتاب الغرباء» وهو صغير يشتمل على ذكر الغرباء الواردين عليها. وميّر ابن حجر العسقلاني بين الكتابين وذكر أنه إذا قيل «تاريخ ابن يونس» فالمقصود «تاريخ مصر». (انظر المقدمة).
(٢) ابن عبد الحكم: فتوح مصر ٦؛ ابن الزيات: الكواكب السيارة ٦؛ ابن إياس: بدائع الزهور ١/ ٥: ١ - ٦.