من الخدمة السّلطانية بقلعة الجبل في موكب عظيم زائد الحشمة، ويدخل كلّ منهما إلى داره.
وكان موضع هذا القصر عدّة مساجد، فلم يتعرّض لهدمها، وأبقاها على ما هي عليه.
فلمّا مات أمير سلاح، وأخذ الأمير قوصون الدّار البيسريّة كما تقدّم ذكره أحبّ الأمير بشتاك أن يكون له أيضا دار بالقاهرة. وذلك أنّ قوصون وبشتاك كانا يتناظران في الأمور، ويتضادّان في سائر الأحوال، ويقصد كلّ منهما أن يسامي الآخر ويزيد عليه في التّجمّل. فأخذ بشتاك (١) يعمل في الاستيلاء على قصر أمير سلاح حتى اشتراه من ورثته، فأخذ من السّلطان الملك النّاصر محمد ابن قلاوون قطعة أرض كانت داخل هذا القصر من حقوق بيت المال، وهدم دارا كانت قد أنشئت هناك عرفت بدار أقطوان (a) السّاقي، وهدم أحد عشر مسجدا وأربعة معابد كانت من آثار الخلفاء يسكنها جماعة الفقراء، وأدخل ذلك في البناء إلاّ مسجدا منها فإنّه عمّره، ويعرف اليوم بمسجد الفجل (b) (٢).
فجاء هذا القصر من أعظم مباني القاهرة، فإنّ ارتفاعه في الهواء أربعون ذراعا، ونزول أساسه في الأرض مثل ذلك، والماء يجري بأعلاه، وله شبابيك من حديد تشرف على شارع القاهرة، وينظر من أعلاه عامّة القاهرة والقلعة والنّيل والبساتين. وهو مشترف (c) جليل، مع حسن بنائه، وتأنّق زخرفته، والمبالغة في تزويقه وترخيمه.
وأنشأ أيضا في أسفله حوانيت كان يباع فيها الحلوى وغيرها، فصار الأمر أخيرا كما كان أوّلا بتسمية الشّارع «بين القصرين». فإنّه كان أوّلا - كما تقدّم - بالقاهرة القصر الكبير الشّرقيّ الذي قصر بشتاك من جملته، وتجاهه القصر الغربيّ الذي الخرنشف من جملته، فصار قصر بشتاك وقصر بيسري وما بينهما من الشّارع يقال له «بين القصرين». ومن لا علم له يظنّ إنّما قيل لهذا الشّارع «بين القصرين» لأجل قصر بيسري وقصر بشتاك، وليس هذا بصحيح وإنّما قيل له بين القصرين قبل ذلك من حين بنيت القاهرة، فإنّه كان بين القصرين: القصر الكبير الشّرقي، والقصر الصّغير الغربيّ، وقد تقدّم ذلك مشروحا مبيّنا (٣).
(a) بولاق: قطوان. (b) بولاق: العجل. (c) بولاق: مشرق. فيما تقدم ٩٥. (١) انظر ترجمة الأمير بشتاك صاحب القصر فيما تقدم ٩٩ - ١٠١. (٢) انظر عن هذا المسجد فيما يلي ٤١٣: ٢. (٣) انظر فيما تقدم ٢١٤: ٢، ٢٤٤ وهذا المجلد ٨١.