وقصد أن يأخذ قطعة من بركة الفيل ليتّسع بها الإسطبل الذي للأمير بكتمر بجوار هذا القصر، فبعث إلى قاضي القضاة شمس الدّين الحريري الحنفي ليحكم باستبدالها على قاعدة مذهبه (١). فامتنع من ذلك تنزّها وتورّعا، واجتمع بالسّلطان وحدّثه في ذلك. فلمّا رأى كثرة ميل السّلطان إلى أخذ الأرض، نهض من المجلس مغضبا، وصار إلى منزله.
فأرسل القاضي كريم الدّين الكبير، ناظر الخاصّ، إلى سراج الدّين (a) الحنفي عن أمر السّلطان وقلّده قضاء مصر منفردا عن القاهرة، فحكم باستبدال الأرض في غرّة رجب سنة سبع عشرة وسبع مائة، فلم يلبث سوى مدّة شهرين ومات في أوّل شهر رمضان. فاستدعى السّلطان قاضي القضاة شمس الدّين الحريري، وأعاده إلى ولايته.
وكمل القصر والإسطبل على هيئة قلّ ما رأت الأعين مثلها، بلغت النّفقة على العمارة في كلّ يوم مبلغ ألف وخمس مائة درهم فضّة، مع جاه العمل لأنّ العجل التي تحمل الحجارة من عند السّلطان، والحجارة أيضا من عند السّلطان، والفعلة في العمارة أهل السّجون المقيّدون من المحابيس.
وقدّر لو لم يكن في هذه العمارة جاه ولا سخرة، لكان مصروفها في كلّ يوم مبلغ ثلاثة آلاف درهم فضّة. وأقاموا في عمارته مدّة عشرة أشهر، فتجاوزت النّفقة على عمارته مبلغ ألف ألف درهم فضّة، عنها زيادة على خمسين ألف دينار، سوى ما حمل، وسوى من سخّر في العمل وهو بنحو ذلك.
فلمّا تمّت عمارته سكنه الأمير بكتمر السّاقي، وكان له في إسطبله هذا مائة سطل نحاس لمائة سائس، كلّ سائس على ستة أرؤس خيل، سوى ما كان له في الجشارات والنّواحي من الخيل، وكان من المغرب يغلق باب إسطبله فلا يصير لأحد به حسّ.
ولمّا تزوّج أنوك بن السّلطان الملك النّاصر محمد بن قلاوون بابنة الأمير بكتمر السّاقي، في سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة، خرج شوارها من هذا القصر (٢)؛ فكانت (b) عدّة الحمّالين ثمان مائة
(a) بياض في آياصوفيا مقدار كلمة. (b) بولاق: وكان. (١) انظر عن الاستبدال فيما تقدم ٢٠١؛ وجاء هنا على هامش نسخة ص: «خالف مذهبه في صحّة الاستبدال واستند فيه إلى أقوال ضعيفة ضمّنها كراريس لا يعبأ بها، ونقم عليه فعله هذا». (٢) أضاف الصفدي، مصدر هذا الخبر: «كنت أنا بالقاهرة سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة ورأيت الشّوار الذي حمل من داره التي على بركة الفيل إلى القلعة».