للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بانتقاض أمر بيدرا وقتله وإقامة الملك النّاصر محمد بن قلاوون بعد أخيه الأشرف خليل، قبض على جماعة ممّن وافق على قتل الملك الأشرف خليل. وقد تجمّعت المماليك الأشرفيّة مع الأمير علم الدّين سنجر الشّجاعي - وهو يومئذ وزير الدّيار المصرية (a) - في دار النّيابة من قلعة الجبل (١) عند الأمير زين الدّين كتبغا نائب السّلطنة، وإذا بالأمير بهادر المذكور قد حضر هو والأمير جمال الدّين آقوش الموصلي الحاجب المعروف بنميلة - وكانا قد اختفيا فرقا من سطوة الأشرفيّة حتى دبّر أمرهما النّائب، وأذن لهما في طلوع القلعة - فما هو إلاّ أن أبصرهما الأشرفيّة حتى سلّوا سيوفهم، وضربوا رقبتيهما في أسرع وقت. فدهش الحاضرون، وما استطاعوا أن يتكلّموا خوفا من الأشرفيّة (٢).

واتّفق في بناء هذه الدّار ما فيه عبرة لمن اعتبر، وذلك أنّ بهادر هذا لمّا حفر أساسها وجد هناك قبورا كثيرة، فأخرج تلك العظام ورماها. فبلغ ذلك قاضي القضاة تقيّ الدّين محمّد (b) بن دقيق العيد، فبعث إليه ينهاه عن نبش القبور ورمي العظام، ويخوّفه عاقبة ذلك؛ فقال: إذا متّ يجرّوا رجلي ويرموني؛ فقال القاضي لمّا أعيد عليه هذا الجواب: وقد يكون ذلك.

فقدّر اللّه أنّه لما ضربت رقبته ورقبة آقوش، ربط في رجليهما حبل، وجرّا من دار النّيابة بالقلعة إلى المجاير والكيمان، نعوذ باللّه من سوء عاقبة القضاء (٣).

(c)) قال كاتبه: أنا حضرت مثل ذلك، لمّا عمّر الأمير جهاركس الخليلي الفندق المعروف به الآن بخطّ الزّراكشة العتيق أخرج منه عظام المقبورين هناك - وقد تقدّم أنّ مكانه كان تربة القصر المعروفة بتربة الزّعفران (٤) - فكانت تحمل تلك العظام إلى كيمان البرقيّة خارج باب البرقيّة وترمى هناك، فعاقبه اللّه بمثل ذلك في الدّنيا، وهو أنّه كان ممّن خرج من القاهرة في العسكر الذي جهّزه الملك الظّاهر برقوق لحرب النّاصريّ في سنة إحدى وتسعين وسبع مائة، فلمّا انهزم هذا العسكر بظاهر دمشق قتل الخليلي وسلب وأقام رمّة مسلوبا بالعراء لم يدفن. أخبرنا غير واحد ممّن شاهده، وقد انتفخ وهو مسلوب لا يواريه شيء. ذلك ليعلموا أنّ اللّه على كلّ شيء قدير (c).


(a) بولاق: وزيرا لديار مصر.
(b) إضافة من المقفى الكبير.
(c-c) إضافة من مسودة المواعظ.
(١) انظر عن دار النّيابة فيما يلي ٦٩٥ - ٦٩٨.
(٢) ابن الفرات: تاريخ الدول والملوك ١٧٣: ٨.
(٣) المقريزي: مسودة المواعظ ٣٩٨ - ٣٩٩، المقفى الكبير ٥٠٠: ٢ - ٥٠١.
(٤) فيما تقدم ٣٥١: ٢ - ٣٥٢.