للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم مات عمّه بديع بن نفيس، فأقرّه الملك الظّاهر برقوق مكانه في رئاسة الأطبّاء، فباشرها مباشرة مشكورة، واختصّ بالملك الظّاهر برقوق اختصاصا كبيرا، فلمّا مات بدر الدّين محمود الكلستاني (a) (١) قلّده وظيفة كتابة السّرّ، وخلع عليه في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى سنة إحدى وثمان مائة، ومات الظّاهر، وقد جعله أحد أوصيائه. فما زال إلى أوائل ربيع الأوّل سنة ثمان وثمان مائة، فقبض عليه، واستقرّ بدله في كتابة السّرّ سعد الدّين إبراهيم [بن عبد الرزّاق] (b) ابن غراب (٢)، وضرب حتى حمل مالا، ثم أفرج عنه، فلزم داره/ إلى شهر رمضان، فحمل إلى دار الوزير فخر الدّين ماجد [بن عبد الرزّاق] (b) بن غراب (٣)، وألزم بمال آخر فحمله وأطلق.

فقام الأمير جمال الدّين يوسف الأستادّار في أمره، وما زال بالملك النّاصر فرج إلى أن أعاده إلى كتابة السّرّ في أوائل ذي الحجّة؛ فاستقرّ فيها وتمكّن من أعدائه، وأراه اللّه مصارعهم، واتّسعت أحواله، وانفرد بسلطانه وأنيط به جلّ الأمور. فأصبح عظيم المصر، نافذ الأمر، قائما بتدبير الدّولة، لا يجد أحد من عظماء الدّولة بدّا من حسن سفارته، وأبدى للنّاس دينا وخيرا وتواضعا وحسن وساطة بين النّاس وبين السّلطان.

فلمّا كان من أمر النّاصر وهزيمته على اللّجّون (٤) ما كان، وقع فتح اللّه مع الخليفة المستعين باللّه العبّاسي بن محمد المتوكّل على اللّه وعدّة من كتّاب الدّولة، في قبضة الأمير ابن شيخ ونوروز، وما زال عندها حتى قتل النّاصر، وأقيم من بعده أمير المؤمنين المستعين باللّه، وهو على حاله من نفوذ الكلمة وتدبير الأمور.


(a) بولاق: الكلساني.
(b) زيادة اقتضاها السياق.
(١) ترجمته عند ابن حجر: ذيل الدرر الكامنة ٧٩ - ٨٠.
(٢) القاضي الأمير سعد الدّين بن علم الدّين إبراهيم بن عبد الرزّاق الشهير بابن غراب الإسكندري القبطي، المتوفى سنة ٨٠٨ هـ/ ١٤٠٥ م. (المقريزي: السلوك ٢٤: ٤؛ ابن حجر: إنباء الغمر ٣٢٨: ٢ - ٣٢٩؛ أبو المحاسن: المنهل الصافي ١٠٤: ١ - ١١٢، النجوم الزاهرة ١٥٦: ١٣؛ الصيرفي: نزهة النفوس ٢٢١: ٢؛ السخاوي: الضوء اللامع ٦٥: ١ - ٦٧؛ وفيما يلي ٤١٩: ٢).
(٣) الوزير الصّاحب فخر الدّين ماجد بن عبد الرزّاق الإسكندري القبطي، المتوفى سنة ٨١١ هـ/ ١٤٠٨ م. (المقريزي: السلوك ٨٩: ١/ ٤؛ أبو المحاسن: الدليل الشافي ٥٦٩: ٢؛ السخاوي: الضوء اللامع ٢٣٤: ٦).
(٤) اللّجّون. بلد بالأردن بينه وبين طبريّة عشرون ميلا، وبينه وبين الرّمله بفلسطين أربعون ميلا. (ياقوت: معجم البلدان ١٣: ٥ - ١٤).