للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومات الميموني في ثاني ذي الحجّة سنة خمس وتسعين وسبع مائة، فسكنها فتح اللّه ابن معتصم وهو يومئذ رئيس الأطبّاء. فلمّا ولي كتابة السّرّ شره إلى العمارة، فأخذ ما في الزّقاق المذكور من الدّور شيئا بعد شيء، وأخرج منها سكّانها وهدمها، وابتنى قاعة تجاه قاعة الميموني، وجعل فيها بئرا وفسقيّة ماء، وبنى بها حمّاما، ثم أنشأ إسطبلا كبيرا لخيوله. ولم يقنع بذلك حتى حمل القضاة على الحكم له باستبدال دار الميموني - وكانت وقفا على أولاد الميموني، ومن بعدهم على الحرمين - فعمل له طرق في جواز الاستبدال (١) بها، على ما صار القضاة يعتمدونه منذ كانت الحوادث بعد سنة ستّ وثمان مائة. فلمّا تمّ حكم القضاة له بتملّكها غيّر بابها وزاد في سعتها، وأضاف إليها عدّة مواضع ممّا كان بجوارها، وغرس في جانبها عدّة أشجار، وزرع كثيرا من الأزهار التي حملت إليه من بلاد الشّام، وبالغ في تحسين رخام هذه الدّار.

وأنشأ دهّيشة (٢) كيّسة إلى الغاية بوسطها فسقيّة ماء ينخرط إليها من شاذروان (٣) عجيب الصّنعة بهج الزّيّ، وتشرف هذه الدّهيشة على الجنينة التي أبدع فيها كلّ الإبداع. وركّب علوّ هذه القاعات (a) الأروقة العظيمة، وبنى بجوارها عدّة مساكن لمماليكه، ومسجدا معلّقا كان يصلّي فيه


(a) بولاق: القاعة.
(١) الاستبدال. أدّت كثرة الأوقاف وازدهارها في العصر المملوكي، إضافة إلى ضخامة ريعها وتنوّع مصارفها، إلى جعلها مطمع السّلاطين والأمراء لا سيّما في وقت الأزمات. ولم يعدم سلاطين المماليك وأمراؤهم وسيلة شرعية للاستيلاء على ما يرغبون فيه من الأوقاف وعاونهم على ذلك بعض القضاة والفقهاء عن طريق «الاستبدال»، حيث أجاز بعض الفقهاء للواقف أن يشترط لنفسه، أو لمن يراه، الحقّ في استبدال الموقوف بوقف آخر بنفس الشّروط على أن ينصّ على ذلك صراحة في كتاب وقفه، وإلاّ فليس لأحد الحقّ في استبدال الأوقاف سوى القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك. (راجع حول هذا الموضوع وأمثلة تطبيقية عليه، محمد محمد أمين: الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر ٦٤٨ - ٩٢٣ هـ/ ١٢٥٠ - ١٥١٧ م - دراسة تاريخية وثائقية، القاهرة ١٩٨٠، ٣٤١ - ٣٥٤؛ Fernandes، L.، «Istibdal: The Game of Exchange and its Impact on the Urbanization of Mamluk Cairo» in Behrens-Abouseif، D.، (ed.) The Cairo Heritage.Essays in Honor of Laila Ali Ibrahim، Cairo AUC ٢٠٠٠، pp. ٢٠٣ - ٢٢؛ وانظر فيما يلي ٢: ٢٢٢، ٥: ٢٢٥، ٨: ٢٣٠، ٢٩٦: ٢).
(٢) الدّهيشة. لفظ أطلق على بعض المباني المملوكية لما لها من شكل جميل يدهش النّاظر إليه مثل: القاعة التي عمّرها الصّالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون بالقلعة (فيما يلي ٦٨٠)، وربع الدّهّيشة الذي أنشأه النّاصر فرج بن برقوق خارج باب زويلة. (محمد محمد أمين وليلى علي إبراهيم: المصطلحات المعمارية في الوثائق المملوكية ٤٩ - ٥٠).
(٣) الشّاذروان ج. الشّاذروانات. فارسي معرّب، ويقال أيضا السّلسبيل، يعني في الأصل ستر عظيم يسدل على -