وولاّه العقود، وأجلسه ببعض حوانيت الشّهود، فتكسّب من (a) تحمّل الشّهادة مدّة، وقرأ على قاضي القضاة سراج الهندي (b) ولازمه، فولاّه نيابة القضاء بالشّارع، فباشرها مباشرة مشكورة، وأجازه العلاّمة شمس الدّين محمد بن الصّائغ الحنفي بالإفتاء والتّدريس.
فلمّا مات صدر الدّين بن منصور، قلّده الملك الظّاهر برقوق قضاء القضاة مكانه في يوم الاثنين ثاني عشرين شهر ربيع الآخر سنة ستّ وثمانين وسبع مائة. فباشر القضاء بعفّة وصيانة وقوّة في الأحكام لها النّهاية، ومهابة وحرمة وصولة تذعن لها الخاصّة والعامّة، إلى أن صرف في سابع عشر رمضان سنة إحدى وتسعين وسبع مائة بشيخنا قاضي القضاة مجد الدّين إسماعيل ابن إبراهيم التّركماني. فلم يزل إلى أن عزل مجد الدّين، وولي من بعده قاضي القضاة وناظر الجيوش جمال الدّين محمود القيصري، وهو ملازم داره وما بيده من التّدريس، وهو على حال حشمة وتجلّة (c) من الكافّة، إلى أن استدعاه السّلطان في يوم الثلاثاء تاسع شهر ربيع الأوّل سنة تسع وتسعين وسبع مائة، فقلّده وظيفة القضاء عوضا عن محمود القيصري، فلم يزل حتى مات من عامه، رحمه اللّه تعالى.
وهذه الدّار على يسرة من سلك من باب حارة برجوان طالبا المسجد المسمّى بجعفر؛ وأمّا الحمّام فإنّها في مكانها اليوم ساحة بجوار دار قاضي القضاة شمس الدّين. ومن جملة حقوق دار المظفّر رحبة الأفيال وحدرة الزّاهداي إلى الدّار المعروفة بسكنى (١) قريبا من حمّام الرّومي (٢).
(a) بولاق: ممن. (b) بولاق: سراج الهدى. (c) بولاق: حسنة وتجلد. (١) ذكر أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي - تلميذ المقريزي - أنّه سمع كتاب «فضل الخيل» للحافظ شرف الدّين الدّمياطي بمنزل المقريزي بحارة برجوان قبل وفاة المقريزي بأقل من شهر، يقول: «وقد سمعت أنا هذا الكتاب بقراءة الحافظ قطب الدّين [محمد بن محمد بن عبد اللّه] الخيضري في أربع مجالس آخرها في سلخ شعبان سنة خمس وأربعين وثمان مائة بالقاهرة في منزل المسيمع بحارة برجوان على الشيخ الإمام العلاّمة المحدّث عمدة المؤرّخين [مؤرخ الديار المصرية] تقيّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر المقريزي الشافعي، بسماعه جميعه على الشيخ المسند ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن الطّبردار الحرّاوي، بسماعه جميعه من مؤلّفه الحافظ أبي محمد الدّمياطي» (المنهل الصافي ٣٧٢: ٧ - ٣٧٣، النجوم الزاهرة ٢١٩: ٨). وعن تحديد موضع دار المقريزي بحارة برجوان، انظر فيما تقدم ٣٧: ١ - ٣٩. (٢) النص في مسودة الخطط ١٣٥: «موضع دار المظفّر -