للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أخبرني القاضي الرّئيس تاج الدّين أبو الفداء إسماعيل بن أحمد بن عبد الوهّاب بن الخطبا المخزومي (١) خال أمّي (a) قبل أن يختلط، قال: أخبرني مؤدّبي الذي قرأت عليه القرآن، أنّ هذا المكان كان كوما، وأن شخصا حفر فيه ليبني عليه دارا فظهرت له شرّافات، فما زال يتبع الحفر حتى ظهر هذا المسجد، فقال النّاس: هذا أبو تراب من حينئذ.

ويؤيّد ما قال أنّي أدركت هذا المسجد محفوفا بالكيمان من جهاته، وهو نازل في الأرض ينزل إليه بنحو عشر درج. وما برح كذلك إلى ما بعد سنة ثمانين وسبعمائة، فنقلت الكيمان التّراب التي كانت هناك حوله، وعمّر مكانها ما هنالك من دور، وعمل عليها درب من بعد سنة تسعين وسبعمائة، وزالت الرّحبة والمسجد على حاله. وأنا قرأت على بابه في رخامة قد نقش عليها بالقلم الكوفي عدّة أسطر تتضمّن أنّ هذا قبر أبي تراب حيدرة بن المستنصر باللّه أحد الخلفاء الفاطميين. وتاريخ ذلك - فيما أظن - بعد الأربعمائة.

ثم لمّا كان في سنة ثلاث عشر وثمان مائة، سوّلت نفس بعض السّفهاء من العامّة له أن يتقرّب - بزعمه - إلى اللّه تعالى بهدم هذا المسجد ويعيد بناءه. فجبى من النّاس مالا شحذه منهم، وهدم المسجد - وكان بناء حسنا - وردمه بالتّراب نحو سبعة أذرع حتى ساوى الأرض التي تسلك المارّة منها وبناء هذا البناء الموجود الآن. وبلغني أنّ الرّخامة التي كانت على الباب نصبوها على شكل قبر أحدثوه في هذا المسجد.

وباللّه أنّ الفتنة بهذا المكان، وبالمكان الآخر من حارة برجوان الذي يعرف بجعفر الصّادق لعظيمة (٢). فإنّهما/ صارا كالأنصاب التي كان تتّخذها مشركو العرب يلجأ إليهما سفهاء العامّة والنّساء في أوقات الشّدائد، وينزلون بهذين الموضعين كربهم وشدائدهم التي لا يتنزّلها العبد إلاّ باللّه ربّه، ويسألون في هذين الموضعين ما لا يقدر عليه إلاّ اللّه تعالى وحده من وفاء الدّين من غير


(a) بولاق: خال أبي.
(١) القاضي الرئيس تاج الدّين أبو الفدا إسماعيل بن أحمد ابن عبد الوهّاب بن الخطبا المخزومي الحنفي خال أم المقريزي. قال السخاوي: ذكره في «عقوده» مطوّلا، وقال إنّه ولد بالقاهرة في حدود بضع وعشرين وسبع مائة، ومات في ربيع الآخر سنة ثلاث وثمان مائة بعد أن اختلط وأتلف ماله وساءت حاله. (الضوء اللامع ٢٩٠: ٢ ولا توجد ترجمة خال أم المقريزي فيما نشر من درر العقود الفريدة، وانظر فيما يلي ٢٧١، ٣٢٦، ٤٢٣).
(٢) فيما تقدم ١٥٥ - ١٥٦.