وجرى في فتح هذه الخوخة (a) (١) أمر لا بأس بإيراده، وهو أنّ الأمير حسين قصد أن يفتح في السّور خوخة لتمرّ النّاس من داخل (b) القاهرة فيها إلى شارع بين السّورين ليعمّر جامعه، فمنعه الأمير علم الدّين سنجر الخازن (٢) والي القاهرة من ذلك، إلاّ بمشاورة السّلطان الملك النّاصر محمد ابن قلاوون. وكان للأمير حسين إقدام على السّلطان، وله به مؤانسة؛ فعرّفه أنّه أنشأ جامعا، وسأله أن يفسح له في فتح مكان من السّور ليصير طريقا نافذا يمرّ فيه النّاس من القاهرة ويخرجون إليه. فأذن له في ذلك وسمح به، فنزل إلى السّور وخرق منه قدر باب كبير، ودهن عليه رنكه (٣) بعدما ركّب هناك بابا، ومرّ النّاس منه.
واتّفق أنّه اجتمع بالخازن والي القاهرة، وقال له على سبيل المداعبة: كم كنت تقول ما أخلّيك تفتح في السّور بابا حتى تشاور السّلطان. ها أنا قد شاورته، وفتحت بابا على رغم أنفك. فحنق الخازن من هذا القول، وصعد إلى القلعة، ودخل على السّلطان وقال: يا خوند، أنت رسمت للأمير شرف الدّين أن يفتح في السّور بابا، وهو سور حصين على البلد؟ فقال السّلطان: إنّما شاورني أن يفتح خوخة لأجل حضور النّاس للصّلاة في جامعه. فقال الخازن: يا خوند، ما فتح إلاّ بابا يعادل باب زويلة، وعمل عليه رنكه، وقصد يعمل سلطانا على البارد، وما جرت عادة أحد بفتح سور البلد.
فأثّر هذا الكلام من الخازن في نفس السّلطان أثرا قبيحا، وغضب غضبا شديدا، وبعث إلى النّائب - وقد اشتدّ حنقه - بأن يسفّر حسين بن جندر (c) إلى دمشق بحيث لا يبيت في المدينة؛ فخرج من يومه من البلد بسبب ما تقدّم ذكره.
(a) آخر الموجود في مسودة الخطط. (b) بولاق: أهل. (c) ساقطة من بولاق. (١) المقريزي: مسودة الخطط ١١ و. كانت خوخة أمير حسين تقع مكان مدخل شارع الاستئناف الآن في الزاوية البحرية الغربية لمبنى محكمة باب الخلق، ويقع تجاهها مكان قنطرة الأمير حسين وحارة الأمير حسين التي بها جامعه الموجود إلى الآن. (أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٦٣: ٩ هـ ٢). (٢) الأمير علم الدّين سنجر الخازن الأشرفي، المتوفى سنة ٧٣٥ هـ/ ١٣٣٥ م. (الصفدي: أعيان العصر ٤٧٠: ٢ - ٤٧١؛ المقريزي: السلوك ٢١٥: ٢؛ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ٣٠٥: ٩؛ وفيما يلي ١٣٥: ٢). (٣) عن الرّنك ج. الرّنوك، انظر فيما يلي ٤٨٨ هـ ٢.