وكان هو والأمير أيتمش نائب الكرك بينهما أخوّة، ولهما معرفة بلسان التّرك القبجاقي، ويرجع إليهما في «الياسة» التي هي شريعة جنكز خان،/ التي تقول العامّة وأهل الجهل في زماننا: هذا حكم السّياسة، يريدون حكم اليّاسة (١).
ثم إنّ الملك النّاصر أخرجه مع الأمير تنكز إلى دمشق، ثم استقرّ في نيابة حمص لسبع مضين من رجب سنة عشر وسبع مائة، فباشرها مدّة. ثم نقله إلى نيابة صفد في سنة ثمان عشرة، فأقام بها وعمر فيها أملاكا وتربة.
فلمّا كان في سنة ستّ وثلاثين، طلب إلى مصر، وجهّز الأمير أيتمش أخوه مكانه، وعمل أمير مائة بمصر. فلمّا توجّه العسكر إلى إياس خرج معهم وعاد، فكان يعمل نيابة الغيبة (٢) إذا خرج السّلطان للصّيد. ثم أخرج إلى نيابة طرابلس عوضا عن طينال، فأقام بها إلى أن توجّه ألطنبغا إلى طشطمر نائب حلب، وكان معه بعسكر طرابلس.
فلمّا جرى من هروب ألطنبغا ما جرى كان أرقطاي معه، فأمسك واعتقل بسكندرية. ثم أفرج عن أرقطاي في أوّل سلطنة الملك الصّالح إسماعيل بوساطة الأمير ملكتمر الحجازي، وجعل أميرا إلى أن مات الصّالح، وقام من بعده الملك الكامل شعبان ورسم له بنيابة حلب عوضا عن الأمير يلبغا اليحياوي، فحضر إليها في جمادى الأولى سنة ستّ وأربعين، فأقام بها نحو خمسة أشهر.
ثم طلب إلى مصر فحضر إليها، فلم يكن غير قليل حتى خلع الكامل وتسلطن المظفّر حاجي، وولاّة نيابة السّلطنة بمصر. فباشرها إلى أن خلع المظفّر، وأقيم في السّلطنة الملك النّاصر حسن (a)، استعفى من النّيابة وسأل نيابة حلب، فأجيب وولّي نيابة حلب، وخرج إليها. وما زال فيها إلى أن نقل منها إلى نيابة دمشق، ففرح أهلها به وساروا إلى حلب فرحا به (b). فنزل به مرض، وسار وهو مريض، فمات بعين المباركة ظاهر حلب يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى سنة خمسين وسبع مائة، وقد أناف عن السبعين، فعاد أهل دمشق خائبين.
وكان ذكيّا فطنا، محجاجا لسنا، مع عجمة في لسانه، وله تنديب (c) مطبوع، وميل إلى الصّور الجميلة، ما يكاد يملك نفسه إذا شاهدها، مع كرم في المأكول.
(a) ساقطة من بولاق. (b) بولاق: فرحل عنها. (c) بولاق: تبنيت. (١) عن الياسّة، انظر فيما يلي ٧١٣ - ٧١٨. (٢) عن نيابة الغيبة، انظر فيما يلي ٦٩٨: