فبعثه ذلك على المسير إلى بلاد اليمن؛ فسار إليها في مستهلّ رجب، ودخل مكّة معتمرا، وسار منها فنزل على زبيد في سابع شوّال. وفي نهار الاثنين ثامن شوّال فتحها بالسّيف، وقبض على عليّ بن المهدي وإخوته وأقاربه، واستولى على ما كان في خزائنه من مال، وتسلّم الحصون التي كانت بيده (١).
وفي مستهلّ ذي القعدة توجّه قاصدا عدن، وبذل لياسر بن بلال في كلّ سنة ثلاثين ألف دينار، وسلّمها إليه، فما رغب في ذلك، وكان قصده أن يقيم بها نائبا عن المجلس/ الفخري، فلمّا أبى ذلك نزل عليها في يوم الجمعة تاسع عشرين ذي القعدة، وملكها في ساعة بالسّيف، وقبض على ياسر وإخوته وولدي الدّاعي، فاحتوى على ما فيها، وقبض على عبد النّبيّ.
واستولى أيضا على تعز وتعكر (a) وصنعاء وظفار وغيرها من مدن اليمن وحصونها، وتلقّب ب «الملك المعظّم»، وخطب لنفسه بعد الخليفة العبّاسي.
وما زال بها إلى سنة إحدى وسبعين، فسار منها إلى لقاء أخيه صلاح الدّين ووصل إليه، وملّكه دمشق في شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وسبعين، فأقام بها إلى أن خرج السّلطان صلاح الدّين مرّة من القاهرة إلى بلاد الشّام، فجهّزه في ذي القعدة سنة أربع وسبعين إلى مصر، وكان قد عمله نائبا ببعلبك، فاستناب عنه فيها، ودخل إلى القاهرة، وأنعم عليه صلاح الدّين بالإسكندرية، فسار إليها وأقام بها إلى أن توفّي في مستهلّ صفر سنة ستّ وسبعين وخمس مائة بالإسكندرية فدفن بها.
وكان كريما واسع العطاء، كثير الإنفاق. مات وعليه مائتا ألف دينار مصرية دينا، فقضاها عنه أخوه صلاح الدّين.
وكان سبب خروجه من اليمن أنّه التاث بدنه بزبيد، فارتجل له سيف الدّولة مبارك بن منقذ (٢):
(a) بولاق: تفكر. (١) عن فتح الأيّوبيين لليمن بقيادة تورانشاه راجع، ابن حاتم اليامي: السّمط الغالي الثمن في أخبار الملوك من الغزّ باليمن، تحقيق ركس سميث GMS ١٩٧٤؛ محمد عبد العال أحمد: «الفتح الأيّوبي لليمن»، مجلة معهد المخطوطات العربية ١٠ (١٩٦٤)، ١٣٧ - ١٦٦، «دراسة حول أقوال المؤرخين عن أسباب الفتح الأيّوبي لليمن»، مجلة معهد المخطوطات ١٣ (١٩٦٧)، ٣١٩ - ٣٣٨، الأيّوبيون في اليمن، الإسكندرية ١٩٨٠. (٢) سيف الدّولة مجد الدّين أبو الميمون المبارك بن كامل ابن عليّ بن مقلّد بن نصر بن منقذ الكناني الشّيزري ولد -