ولقّب ب «أمين الدّولة» - وهو أوّل من لقّب في الدّولة الفاطميّة من رجال الدّولة - وقيّد بين يديه عدّة دواب، وحمل معه خمسون ثوبا من سائر البزّ الرّفيع، وانصرف إلى داره في موكب عظيم.
وقرئ سجلّه، فتولّى قراءته القاضي محمد بن النّعمان بجلوسه للوساطة، وتلقيبه ب «أمين الدّولة». وألزم سائر النّاس بالتّرجّل إليه، فترجّل النّاس بأسرهم له من أهل الدّولة، وصار يدخل القصر راكبا، ويشقّ الدّواوين، ويدخل من الباب الذي يجلس فيه خدم الخليفة الخاصّة، ثم يعدل إلى باب الحجرة التي فيها أمير المؤمنين الحاكم، فينزل على بابها ويركب من هناك (١).
وكان النّاس من الشّيوخ والرّؤساء على طبقاتهم يبكّرون إلى داره، فيجلسون في الدّهاليز بغير ترتيب والباب مغلق، ثم يفتح فيدخل إليه جماعة من الوجوه، ويجلسون في قاعة الدّار على حصير وهو جالس في مجلسه، ولا يدخل له أحد ساعة، ثم يأذن لوجوه من حضر - كالقاضي ووجوه شيوخ كتامة والقوّاد - فتدخل أعيانهم. ثم يأذن لسائر النّاس، فيزدحمون عليه بحيث لا يقدر أحد أن يصل إليه، فمنهم من يومئ بتقبيل الأرض، ولا يردّ السّلام على أحد. ثم يخرج فلا يقدر أحد على تقبيل يده سوى أناس بأعيانهم، إلاّ أنّهم يومئون إلى تقبيل الأرض، وشرف أكابر النّاس بتقبيل ركابه، وأجلّ النّاس من يقبّل ركبته.
وقرّب كتامة، وأنفق فيهم الأموال وأعطاهم الخيول، وباع ما كان بالإسطبلات من الخيل والبغال والنّجب وغيرها وكانت شيئا كثيرا، وقطع أكثر الرّسوم التي كانت تطلق لأولياء الدّولة من الأتراك، وقطع أكثر ما كان في المطابخ، وقطع أرزاق جماعة، وفرّق كثيرا من جواري القصر - وكان به من الجواري والخدم عشرة آلاف جارية وخادم - فباع من اختار البيع، وأعتق من سأل العتق طلبا للتوفير.
واصطنع أحداث المغاربة، فكثر عتيّهم، وامتدّت أيديهم إلى الحرام في الطّرقات، وشلّحوا النّاس ثيابهم. فضجّ النّاس منهم، واستغاثوا إليه بشكايتهم، فلم يبد منه كبير نكير. فأفرط الأمر حتى تعرّض جماعة منهم للغلمان الأتراك وأرادوا/ أخذ ثيابهم، فثار بسبب ذلك شرّ قتل فيه غلام
(١) راجع، ابن الصيرفي: الإشارة إلى من نال الوزارة ٥٦ - ٥٧؛ ابن ظافر: أخبار الدول المنقطعة ٣١؛ ابن ميسر: أخبار مصر ١٧٧ - ١٧٩ وفيه أن السّجلّ من إنشاء أبي منصور بشر بن عبيد اللّه بن سورين؛ النويري: نهاية الأرب ١٦٨: ٢٨؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٥: ٢ - ٦.