وعددهم - ستّ مائة رجل بالنّوبة - ونقل جلوس الظّافر من القاعة إلى الإيوان في البراح والسّعة، حتى إذا دخل للخدمة يكون أصحاب الزّرد معه.
ثم تأكّدت النّفرة بينهما، فقبض على صبيان الخاصّ وقتل أكثرهم، وفرّق باقيهم وكانوا خمس مائة رجل. وما زال الأمر على ذلك إلى أن قتله ربيبه عبّاس بن تميم بيد ولده نصر، واستقرّ بعده في وزارة الظّافر.
وكان بين ناصر الدّين نصر بن عبّاس الوزير وبين الظّافر مودّة أكيدة ومخالطة، بحيث كان الظّافر يشتغل به عن كلّ أحد، ويخرج من قصره إلى دار نصر بن عبّاس التي هي اليوم المدرسة السّيوفيّة. فخاف عبّاس من جراءة ابنه، وخشي أن يحمله الظّافر على قتله، فيقتله كما قتل الوزير عليّ بن السّلار زوج جدّته أمّ عبّاس. فنهاه عن ذلك، وألحف في تأنيبه وأفرط في لومه، لأنّ الأمراء كانوا مستوحشين من عبّاس، وكارهين منه تقريبه أسامة بن منقذ لما علموه من أنّه هو الذي حسّن لعبّاس قتل ابن السّلار كما هو مذكور في خبره، وهمّوا بقتله، وتحدّثوا مع الخليفة الظّافر في ذلك (١).
فبلغ أسامة ما هم عليه - وكان غريبا من الدّولة - فأخذ يغري الوزير عبّاس بن تميم بابنه نصر، ويبالغ في تقبيح مخالطته للظّافر، إلى أن قال له مرّة: كيف تصبر على ما يقول النّاس في حقّ ولدك من أنّ الخليفة يفعل به ما يفعل بالنّساء؟ فأثّر ذلك في قلب عبّاس.
واتّفق أنّ الظّافر أنعم بمدينة قليوب على نصر بن عبّاس، فلمّا حضر إلى أبيه وأعلمه بذلك، وأسامة حاضر فقال له: يا ناصر الدّين ما هي بمهرك غالية، يعرّض له بالفحش. فأخذ عبّاس من ذلك ما أخذه، وتحدّث مع أسامة لثقته به في كيفيّة الخلاص من هذا، فأشار عليه بقتل الظّافر إذا جاء إلى دار نصر على عادته في اللّيل، فأمره بمفاوضة ابنه نصر في ذلك. فاغتنمها أسامة، وما زال بنصر يشنّع عليه، ويجرّئه على قتل الظّافر حتى وعده بذلك.
فلمّا كان ليلة الخميس آخر المحرّم من سنة تسع وأربعين وخمس مائة، خرج الظّافر من قصره متنكّرا ومعه خادمان كما هي عادته، ومشى إلى دار نصر بن عبّاس، فإذا به قد أعدّ له قوما، فعند ما صار في داخل داره وثبوا عليه وقتلوه هو وأحد الخادمين، وتوارى عنهم الخادم الآخر ولحق بعد ذلك بالقصر، ثم دفنوا الظّافر والخادم تحت الأرض في الموضع الذي فيه الآن المسجد (٢).
(١) انظر فيما يلي ١٨٤. (٢) راجع، أسامة بن منقذ: الاعتبار ٤٣ - ٤٤؛ -