أن يحفروا ما بين البحرين: القلزم، والرّومي، ويرفعوا البرزخ (a) من بينهما، وكان أوّلهم ساسيس طراطس (b) الملك، ثم من بعده داريوش الملك، فلم يتمكّن لهم ذلك لارتفاع ماء القلزم على أرض مصر. فلمّا كانت دولة اليونانيين جاء بطلميوس الثالث، ففعل ذلك على يد أرشميدس، بحيث يحصل الغرض بلا ضرر. فلمّا كانت دولة الرّوم القياصرة طمّوه منعا لمن يصل إليهم من أعدائهم (١).
وذكر بعض أصحاب السّير من الفلاسفة أنّ ما بين الإسكندرية وبلادها وبين القسطنطينيّة كان في قديم الزّمان أرضا تنبت الجمّيز، وكانت مسكونة وخمة، وكان أهلها من اليونانية، وأنّ الإسكندرية خرق إليها البحر فغلبت أمواهه (c) على تلك الأرض.
وكان بها - فيما يزعمون - الطّائر الذي يقال له قفنس، وهو طائر حسن الصّوت، وإذا حان موته زاد حسن صوته قبل ذلك بسبعة أيام حتى لا يمكن أحد يسمع صوته لأنّه يغلب على قلبه من حسن صوته ما يميت السّامع، وأنّه يدركه قبل موته بأيام طرب عظيم وسرور فلا يهدأ من الصّياح.
وزعموا أنّ عامل الموسيقى من الفلاسفة أراد أن يسمع صوت ققنس في تلك الحال، فخشي إن هجم عليه أن يقتله حسن صوته، فسدّ أذنيه سدّا محكما، ثم قرب إليه فجعل يفتح من أذنيه شيئا بعد شيء حتى استكمل فتح الأذنين في ثلاثة أيام، يريد أن يتوصّل إلى سماعه رتبة بعد رتبة، فلا يبغته حسنه في أوّل مرّة فيأتي عليه.
وزعموا أنّ ذلك الطّائر هلك، ولم يبق منه ولا من فراخه شيء بسبب هجوم ماء البحر عليه وعلى رهطه باللّيل في الأوكار، فلم يبق له بقيّة.
(a) بولاق: ورفعوا من بينهما البرزخ، البيروني: ويرفعوا البرزخ عما بين البحرين. (b) بولاق: ثاسيس بن طراطس، البيروني: سيس طراطس. (c) ساقطة من بولاق. غزنة بعد سنة ٤٤٢ هـ/ ١٠٥٠ م. كتب البيروني سلسلة من المؤلفات المهمة اعتمد المقريزي في الخطط على ثلاثة منها. حيث نقل مرة واحدة عن كتاب «تحديد نهايات الأماكن» وعن كتاب «القانون المسعودي» (فيما يلي ٢٥١: ١). أما كتابه الثالث «الآثار الباقية عن القرون الخالية» فقد اعتمد عليه المقريزي في مواضع كثيرة، وخاصّة عند حديثه عن «تاريخ الخليقة» وتواريخ الأمم السابقة على الإسلام، أحيانا دون الإشارة إليه، ولكن في أغلب الأحيان كان يسند إليه ما نقله عنه (انظر المقدمة). (١) البيروني: تحديد نهايات الأماكن وتصحيح