الجوّاني بخطّه يقول:«هكذا هو بخطّ الشّريف محمّد بن أسعد الجوّاني النّسّابة وهو أقعد بخطط مصر وأعرف من ابن سعيد»(١).
وبسقوط خلافة الفاطميين في مصر واستيلاء الأيّوبيين السّنّيين على مقاليد الأمور سنة ٥٦٧ هـ/ ١١٧٢ م فقدت القاهرة الكثير من خصوصيّتها و «صارت مدينة سكنى بعد ما كانت حصنا يعتقل به ودار خلافة يلتجأ إليها، فهانت بعد العزّ وابتذلت بعد الاحترام»(٢) فقد «غيّر السّلطان الملك النّاصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب كثيرا ممّا كانت عليه وصيّرها مدينة وبلدا يسكنه جمهور النّاس وعامّتهم، وتهدّمت القصور وزالت معالمها وتغيّرت معاهدها، وصارت القاهرة خططا وحارات وشوارع ومسالك وأزقّة»(٣). ونقل الأيّوبيون مركز الحكم إلى قلعة حصينة شيّدوها على الهضبة المتقدّمة من جبل المقطّم ليتمكّنوا من خلالها من الإشراف على القاهرة والفسطاط معا. وعهد صلاح الدين ببناء القلعة والسّور الحجر الذي يرطبها بالفسطاط والقاهرة إلى بهاء الدين قراقوش الذي أتمّ أكبر قسم منها في سنة ٥٧٩ هـ/ ١١٨٣ م، ولكنّ هذا السّور الذي كان سيجمع القاهرة ومصر الفسطاط وقلعة الجبل في نطاق واحد لم يتهيّأ إتمام بنائه أبدا وظلّت هناك مواضع لم يتّصل فيها السّور (٤).
وقد تميّز العصر الأيّوبي بإقامة عدد من المنشآت الدينية والاجتماعية في القاهرة والفسطاط منها أوّل خانقاه للصّوفيّة وهي «خانقاه سعيد السّعداء» شمال القصر الفاطمي الكبير، وعدد من «المدارس» التي كانت ضرورية لإتمام حركة الإصلاح السّنّي الذي بدأه منذ قرن السّلاجقّة ثم خلفاؤهم الزّنكيّون والنوريّون وأتمّه الأيّوبيون في مصر بالقضاء على الخلافة الفاطمية الشّيعية، وقد بلغ عدد المدارس التي أقامها الأيوبيون في القاهرة والفسطاط ثلاث وعشرين مدرسة (٥).
ولا نصادف في زمن الأيّوبيين من يهتم بالكتابة في خطط مصر والقاهرة، فقد غلب على عصرهم الطّابع الحربي ومواجهة القوى الصّليبية (الفرنج) الغاشمة التي هدّدت الشّرق الإسلامي بأثره، وكان للأيّوبيين فضل الذّود عن ديار الإسلام أمام حملات الفرنج المتتالية وتقليص ممالكهم التي أقاموها في مدن بلاد الشّام السّاحلية والشّمالية واسترداد بيت المقدس.
(١) المقريزي: الخطط ٢٨٨: ١. (٢) نفسه ٣٤٨: ١ و ٣٦٤. (٣) المقريزي: مسودة المواعظ ٥٨. (٤) نفسه ٤٣. (٥) المقريزي: اتعاظ الحنفا ٣١٩: ٣، ٣٢٠، الخطط ٣٦٢: ٢ - ٤٠٥، Fu'ad Sayyid، A.، op.cit.، pp. ٥٦٤، ٥٨٠ - ٥٨٦؛ وانظر كذلك كتاب «تاريخ المدارس في مصر الإسلامية»، سلسلة تاريخ المصريين رقم ٥١، القاهرة ١٩٩٢.