وهذه الأقاليم خطوط متوهّمة لا وجود لها في الخارج، وضعها القدماء الذين جالوا في الأرض ليقفوا على حقيقة حدودها، ويتيقّنوا مواضع البلدان منها، ويعرفوا طرق مسالكها. هذا حال الرّبع المسكون.
وأمّا الثّلاثة الأرباع الباقية فإنّها خراب؛ فجهة الشّمال واقعة تحت مدار الجدي، قد أفرط هناك البرد، وصارت ستة أشهر ليلا مستمرة، وهي مدّة الشّتاء عندهم لا يعرف فيها نهار، ويظلم الهواء ظلمة شديدة، وتجمد المياه لقوّة البرد فلا يكون هناك نبات ولا حيوان.
ويقابل هذه الجهة الشّمالية ناحية الجنوب حيث مدار سهيل، فيكون النّهار ستة أشهر بغير ليل، وهي مدّة الصّيف عندهم، فيحمى الهواء ويصير سموما محرقا يهلك بشدّة حرّه (a) الحيوان والنّبات، فلا يمكن سلوكه ولا السّكنى فيه.
وأمّا ناحية الغرب فيمنع البحر المحيط من السّلوك فيه، لتلاطم أمواجه وشدّة ظلماته. وناحية الشّرق تمنع من سلوكها الجبال الشّامخة.
وصار الناس أجمعهم قد انحصروا في الرّبع المسكون من الأرض/، ولا علم لأحد منهم بالثلاثة الأرباع الباقية.
والأرض كلّها، بجميع ما عليها من الجبال والبحار، نسبتها إلى الفلك كنقطة في دائرة.
وقد اعتبرت حدود الأقاليم السّبعة بساعات النّهار؛ وذلك أنّ الشّمس إذا حلّت برأس الحمل، تساوى طول النّهار واللّيل في سائر الأقاليم كلّها. فإذا انتقلت في درجات برج الحمل والثّور والجوزاء، اختلفت ساعات نهار كلّ إقليم. فإذا بلغت آخر الجوزاء وأوّل برج السّرطان، بلغ طول النّهار في وسط الإقليم الأوّل ثلاث عشرة ساعة سواء، وصارت في وسط الإقليم الثاني ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة، وفي وسط الإقليم الثالث أربع عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصف ساعة، وفي وسط الإقليم الخامس خمس عشرة ساعة، وفي وسط الإقليم السّادس خمس عشرة ساعة ونصف ساعة، وفي وسط الإقليم السّابع ست عشرة ساعة سواء، وما زاد على ذلك إلى عرض تسعين درجة يصير نهارا كلّه.