للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الظّروف، وكثر القول فيها، واستعظم أمرها، وضوعف مبلغها. واتّسع هذا الإنعام بالصّدقات الجاري بها العادة في مثل هذا الشّهر لفقهاء مصر والرّباطات بالقرافة وفقرائها (١).

وقال ابن الطّوير، وقد ذكر ركوب الخليفة في أوّل العام وحضور الغرّة: ولا ينقطع (a) الرّكوب بعد هذا اليوم الذي هو أوّل العام، فيركبون في آحاد الأيام إلى أن يكمل شهر، ولا يتعدّى ذلك يومي السّبت والثّلاثاء. فإذا عزم الخليفة على الركوب في أحد هذه الأيام أعلم بذلك - وعلامته إنفاق الأسلحة في صبيان الرّكاب من خزانة السّلاح خاصّة دون ما سواها، وأكثر ذلك إلى مصر - ويركب الوزير صحبته من ورائه على أخصر من النّظام المتقدّم - يعني في ركوب أوّل العام - وأقل جمع، فيخرج شاقّا القاهرة وشوارعها على الجامع الطّولوني على المشاهد (٢)، إلى درب الصّفا - ويقال له: «الشّارع الأعظم» - إلى دار الأنماط إلى الجامع العتيق (٣).

فإذا وصل إلى بابه، وجد الشّريف الخطيب قد وقف على مسطبة بجانبه فيها محراب، مفروشة بحصر معلّق عليها سجّادة، وفي يده المصحف المنسوب خطّه إلى عليّ بن أبي طالب وهو من حاصله؛ فإذا وازاه وقف في موضعه وناوله المصحف من يده، فيتسلّمه منه ويقبّله ويتبرّك به مرارا، ويعطيه صاحب الخريطة المرسومة للصّلات ثلاثين دينارا، وهي رسمه متى اجتاز به، فيوصّلها الشّريف إلى مشارف الجامع، فيكون نصيبهما منها خمسة عشر دينارا، والباقي للقومة والمؤذّنين دون غيرهم. ويسير إلى أن يصل دار الملك فينزلها والوزير معه. ومنذ يخرج من باب القصر إلى أن يصل إلى دار الملك، لا يمرّ بمسجد إلاّ أعطى قيّمه من الخريطة دينارا.

فلا يزال بدار الملك نهاره، فتأتيه المائدة من القصر، وعدّتها خمسون شدّة على رءوس القرّاشين مع صاحب المائدة (٤) - وهو أستاذ جليل غير محنّك - وكلّ شدّة فيها طيفور فيها الأواني الخاصّ، وفيها من الأطعمة الخاصّ من كلّ نوع شهيّ وكلّ صنف من المطاعم العالية، ولها رواء ورائحة المسك فائحة منها، وعلى كلّ شدّة طرحة حرير تعلو القوّارة التي هي الشّدّة. فيحمل إلى


(a) النسخ وبولاق: وينقطع، والمثبت من المسودة.
(١) ابن المأمون: أخبار مصر ١٠١ - ١٠٢.
(٢) المشاهد. انظر فيما تقدم ٥٢٥.
(٣) الشارع الأعظم، انظر فيما تقدم ٨٦.
(٤) صاحب المائدة هكذا أطلق عليه أيضا ابن الطوير في موضع آخر (فيما يلي ١٤٣: ٢)، أما ابن المأمون فسمّاه «متولّي المائدة»، وذكر أن متولّي المائدة في زمن الخليفة الآمر كان يدعى وفيّ الدولة إسعاف (فيما تقدم ١٢: ٣٦٣، ١٧: ٤٨٧، ١٦: ٥٤٤، ٤٥٤، ٤٧٣).