للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمصري، وحملت إلى دار قاضي القضاة لركوب ليلة مستهلّ رجب. فإذا كان بعد صلاة العصر من ذلك اليوم اهتم الشّهود أيضا، فمنهم من يركب بثلاث شمعات إلى اثنتين إلى واحدة. ويمضي أهل مصر منهم إلى القاهرة، فيصلّون المغرب في الجوامع والمساجد، ثم ينتظرون ركوب القاضي؛ فيركب من داره بهيئته وأمامه الشّمع المحمول إليه موقودا مع المندوبين لذلك من الفرّاشين من الطّبقة السّفلى، من كلّ جانب ثلاثون شمعة، وبينهما المؤذّنون بالجوامع يذكرون اللّه تعالى، ويدعون للخليفة والوزير بترتيب مقدّر محفوظ (١). ويندب في حجبته ثلاثة من نوّاب الباب، وعشرة من الحجّاب، خارجا عن حجّاب الحكم المستقرّين وعدّتهم خمسة في زيّ الأمراء، وفي ركابه القرّاء يطرّبون بالقراءة، والشّهود وراءه على التّرتيب في جلوسهم بمجلس الحكم الأقدم فالأقدم، وحوالي كلّ واحد ما له من شمع؛ فيشقّون من أوّل شارع فيه دار القاضي إلى بين القصرين، وقد اجتمع من العالم في وقت جوازهم ما لا يحصى كثرة رجالا ونساء وصبيانا؛ بحيث لا يعرف الرّئيس من المرءوس وهو مارّ إلى أن يأتي هو والشّهود باب الزّمرّد من أبواب القصر في الرّحبة الوسيعة تحت المنظرة العالية في السّعة العظيمة من الرّحبة المذكورة، وهي التي تقابل درب قراصيا.

فيحضر صاحب الباب ووالي القاهرة والقرّاء والخطباء - كما شرحنا في المواليد السّتّة (٢) - ويترجّلون تحتها ريثما يجلس الخليفة فيها وبين يديه شمع ويبين شخصه، ويحضر بين يديه الخطباء الثلاثة ويخطبون كالمواليد، ويذكرون استهلال رجب وأنّ هذا الرّكوب علامته، ثم يسلّم الأستاذ من الطّاقة الأخرى استفتاحا وانصرافا كما ذكرنا.

ثم يركب النّاس إلى دار الوزارة، فيدخل القاضي والشّهود إلى الوزير فيجلس لهم في مجلسه ويسلّمون عليه، ويخطب الخطباء أيضا بأخفّ من مقام الخليفة، ويدعون له ويخرجون عنه، فيشقّ القاضي والجماعة القاهرة، وينزل على باب كلّ جامع بها ويصلّي ركعتين؛ ثم يخرج من باب زويلة طالبا مصر بغير نظام، ووالي القاهرة في خدمة القوم (a)، مستكثرا من الأعوان والحفظة


(a) بولاق: في خدمته اليوم.
(١) حاشية بخط المؤلّف: «كانت عادة خلفاء بني العبّاس ببغداد أن تعمل دعوة في رجب لجماعة من أهل العلم وأهل التّصوّف ويعمل السّماع، فيقيمون يومين وليلة؛ فلما ولي النّاصر أبطل ذلك ثم أعاده. وكان يفرق في العلماء والفقهاء والصوفية عشرة آلاف، فسار يقال للدار التي يجتمعون بها: دار الدّعوة والسماع!».
(٢) فيما تقدم ٤٢٢ - ٤٢٥.