وللمحتسب النّظر في دار العيار، ويخلع عليه ويقرأ سجلّه بمصر والقاهرة على المنبر، ولا يحال بينه وبين مصلحة إذا رآها، والولاة تشدّ منه (a) إذا احتاج إلى ذلك، وجاريه ثلاثون دينارا في كلّ شهر (١). انتهى.
وكان للعيار مكان يعرف بدار العيار تعيّر فيه الموازين بأسرها وجميع الصّنج. وكان ينفق على هذه الدّار من الديوان السّلطاني فيما تحتاج إليه من الأصناف، كالنّحاس والحديد والخشب والزّجاج، وغير ذلك من الآلات وأجر الصّنّاع والمشارفين ونحوهم. ويحضر المحتسب أو نائبه إلى هذه الدار ليعيّر المعمول فيها بحضوره، فإن صحّ ذلك أمضاه، وإلاّ أمر بإعادة عمله حتى يصحّ.
وكان بهذه الدار أمثلة يصحّح بها العيار، فلا تباع الصّنج والموازين والأكيال إلاّ بهذه الدّار، ويحضر جميع الباعة إلى هذه الدّار باستدعاء المحتسب لهم، ومعهم موازينهم وصنجهم ومكاييلهم، فتعيّر في كلّ قليل. فإن وجد فيها النّاقص استهلك وأخذ من صاحبه لهذه الدّار، وألزم بشراء نظيره ممّا هو محرّر بهذه الدّار والقيام بثمنه. ثم سومح النّاس، وصار يلزم من يظهر في ميزانه أو صنجه خلل بإصلاح ما فيها من فساد فقط والقيام بأجرته فقط.
وما زالت هذه الدّار باقية جميع الدّولة الفاطمية، فلمّا استولى صلاح الدّين على السّلطنة، أقرّ هذه الدّار، وجعلها وقفا على سور القاهرة مع ما كان جاريا في أوقاف السّور من الرّباع والنّواحي الجارية في ديوان الأسوار (٢). وما زالت هذه الدار باقية إلى (b) (٣).
وكانت بدار العيار خراريب يعرف بها الأوزان منها أن السّمّاق زنة الأردب منه ما بين مائة قنطار مصري وثلث إلى مائة وأربعين رطلا، والقلّة الزيت الحار مائة واثنا عشر رطلا مصريا، والحمل الحطب السّنط مائة وعشرة أرطال، والبندق يصح من الجيد فيه ثلاثة أرطال ونصف
(a) بولاق: معه. (b) ساقطة من بولاق، وبعدها في آياصوفيا بياض مقدار سطرين. (١) ابن الطوير: نزهة ١١٦ - ١١٧؛ ابن الفرات: تاريخ الدول ١٤٦: ١/ ٤ - ١٤٧؛ القلقشندي: صبح ٤٨٣: ٣، وأضاف: «ورأيت في بعض سجلاتهم إضافة الحسبة بمصر والقاهرة إلى صاحبي الشرطة بهما أحيانا»؛ المقريزي: المسودة ٣٢٠ - ٣٢١، واتعاظ ٣٤٢: ٣. (٢) المقريزي: مسودة المواعظ ٣٢١ - ٣٢٢؛ وانظر أيمن فؤاد: الدولة الفاطمية في مصر ٥٤٨ - ٥٤٩. (٣) موضع هذه العبارة في مسودة المواعظ: «وكانت هذه الدّار في الموضع الذي يعرف اليوم [بياض]».