للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرها، ويقال له «يوم عرض الخيل». فيستدعي الوزير صاحب الرّسالة - وهو من كبار الأستاذين المحنّكين وفصحائهم وعقلائهم ومحصّليهم - فيمضي إلى استدعائه في هيئة المسرعين على حصان دهراج (١)، امتثالا لأمر الخليفة بالإسراع، على خلاف حركته المعتادة. فإذا عاد مثل بين يدي الخليفة وأعلمه باستدعائه الوزير. فيخرج راكبا (a) من مكانه في القصر - ولا يركب أحد في القصر إلاّ الخليفة (٢) - وينزل في السّهدلاّ بدهليز باب الملك الذي فيه الشّبّاك (٣)، وعليه من ظاهره للنّاس ستر، فيقف من جانبه الأيمن زمام القصر، ومن جانبه الأيسر صاحب بيت المال، وهما من الأستاذين المحنّكين. فيركب الوزير من داره وبين يديه الأمراء، فإذا وصل إلى باب القصر ترجّل الأمراء وهو راكب، ويكون دخوله في هذا اليوم من باب العيد، ولا يزال راكبا إلى أوّل باب من الدّهاليز الطّوال (٤)، فينزل هناك ويمشي فيها وحواليه حاشيته وغلمانه وأصحابه ومن يراه من أولاده وأقاربه، ويصل إلى الشّبّاك فيجد تحته كرسيّا كبيرا من كراسي السلين الحديد (b)، فيجلس عليه ورجلاه تطأ الأرض. فإذا استوى جالسا، رفع كلّ أستاذ السّتر من جانبه، فيرى الخليفة جالسا في المرتبة الهائلة، فيقف ويسلّم ويخدم بيده إلى الأرض ثلاث مرّات، ثم يؤمر بالجلوس على كرسيه فيجلس، ويستفتح القرّاء بالقراءة قبل كلّ شيء بآيات لائقة بذلك الحال مقدار نصف ساعة، ثم يسلّم الأمراء. (c)


(a) المسودة: الدّواب.
(b) بولاق: البلق الجيد، وهي قراءة لا توجد في أية نسخة.
(c) المسودة: المكان.
(١) الدّهرجة. السير السريع، وحصان دهراج أي سريع السير. (القاموس المحيط ٢٤٢).
(٢) انظر فيما تقدم ٢٩٢، واستثني من ذلك الوزير النّاصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - آخر وزراء الفاطميين - فقد كان يدخل على العاضد في القصر راكبا (أبو شامة: الروضتين ٤٤٠: ١).
(٣) لا شك أن «عرض الخيل» كان يتم في فناء داخلي للقصر الشرقي الكبير بالقرب من «دهليز باب الملك» حيث كانت توجد «السّهدلاّ» و «الشّبّاك» ويتوصل إليه من باب العيد.
و «السّهدلي» أو «السّدلاّ» أو «السّدلّي»: لفظ فارسي معرب. (الجواليقي: المعرب ٢٣٥) وأصله بالفارسية «سهدله» كأنه ثلاثة بيوت في بيت كالحيري بكمّين (لسان العرب ٣٥٥: ١٣). وقد صوّر إنسترونزف السّدلاّ الفاطمية ببناء مغلق من ثلاثة جوانب ومفتوح من الجانب الرابع حيث كان يوجد الشّبّاك، وحدّد موضعها على وجه التقريب في وسط القصر بين باب العيد وباب البحر. (مقدمة نزهة المقلتين لابن الطوير ٩٦ *- ٩٧ *).
(٤) الدهاليز الطوال: هي دون شك ما أسماه غليوم أسقف صور، كما نقل كلامه إلى الفرنسية جستاف شلمبرجيه:
«longues et etroites allees voutees tout a fait obscures»، «دهاليز طويلة وضيقة مقبّبة حالكة الظّلام لا يستطيع الإنسان أن يتبين فيها شيئا». Schlumberger،) G.، Campagnes du Roi Amaury Ier de Jerusalem (en Egypte au XII siecle، p. ١١٨.