صلّى اللّه عليه وعلى أخيه وابن عمّه، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، خير الأمّة وإمامها، وحبر الملّة وبدر تمامها، والموفّي يومه في الطّاعات على ماضي أمسه، ومن أقامه رسول اللّه ﷺ في المباهلة مقام نفسه، واختصّه بأبعد غاية في (a) الفخر وأشرفها وأفضلها فبعثه لمّا نسخ اللّه معاهدة المشركين وأنزل (a) «سورة براءة»، فنادى في الحجّ بأوّلها، ولم يكن غيره ينفذ نفاذه ولا يسدّ مكانه، لأنّه قال:«لا يبلّغ عنّي إلاّ رجل من أهل بيتي». عملا في ذلك بما أمر اللّه به (b) سبحانه.
وعلى/ الأئمة من ذرّيتهما خلفاء اللّه في أرضه، والقائمين في سياسة خلقه بصريح الإيمان ومحضه، والمحكّمين من أمر الدّين ما لا وجه لحلّه ولا سبيل إلى نقضه. وسلّم عليهم أجمعين سلاما يتّصل دوامه ولا يخشى انصرامه، ومجّد وكرّم، وشرّف وعظّم.
وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم الأحد عيد النّحر، من سنة ستّ وثلاثين وخمس مائة، الذي تبلّج فجره عن سيّئات محّصت، ونفوس من آثار الذّنوب خلّصت، ورحمة امتدت ظلالها وانتشرت، ومغفرة هنّأت وبشّرت.
وكان من خبر هذا اليوم أنّ أمير المؤمنين برز لكافّة من بحضرته من أوليائه، متوجّها لقضاء حقّ هذا العيد السّعيد وأدائه، في عترة راسخة قواعدها متمكّنة، وعساكر جمّة تضيق عنها ظروف الأمكنة، ومواكب تتوالى كتوالي السّيل، وتهاب هيبة مجيئه في الليل، بأسلحة تحسر لها الأبصار وتبرق، وترتاع الأفئدة منها وتفرق: فمن مشرقي إذا ورد تورّد، ومن سمهري إذا قصد تقصّد، ومن عمد إذا عمدت تبرّأت المغافر من ضمانها، ومن قسيّ إذا أرسلت بنانها وصلت إلى القلوب بغير استئذانها.
ولم يزل سائرا في هدي الإمامة وأنوارها، وسكينة الخلافة ووقارها، إلى أن وصل إلى المصلّى قدّام المحراب، وأدّى الصّلاة إذ لم يكن بينه وبين التّقبيل حجاب. ثم علا المنبر فاستوى على ذروته، ثم هلّل اللّه وكبّره وأثنى