للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى الأمير نزار والأمير عبد اللّه والأمير إسماعيل أولاد المستنصر فجاءوا إليه، فإذا أخوهم أحمد - وهو أصغرهم - قد جلس على سرير الخلافة، فامتعضوا لذلك وشقّ عليهم. وأمرهم الأفضل بتقبيل الأرض، وقال لهم: قبّلوا الأرض لمولانا «المستعلي باللّه» وبايعوه، فهو الذي نصّ عليه الإمام المستنصر قبل وفاته بالخلافة من بعده. فامتنعوا من ذلك وقال كلّ منهم إنّ أباه وعده (a) بالخلافة.

وقال نزار: لو قطّعت ما بايعت من هو أصغر منيّ سنّا، وخطّ والدي عندي بأنّي وليّ عهده وأنا أحضره. وخرج مسرعا ليحضر الخطّ، فمضى لا يدري به أحد، وتوجّه إلى الإسكندرية. فلمّا أبطأ مجيئه بعث الأفضل إليه ليحضر بالخطّ، فلم يعلم له خبرا، فانزعج لذلك انزعاجا عظيما.

وكانت نفرة نزار من الأفضل لأمور: منها أنّه خرج يوما فإذا بالأفضل قد دخل من باب القصر وهو راكب، فصاح به نزار: انزل يا أرمنيّ الجنس، فحقدها عليه؛ وصار كلّ منهما يكره الآخر.

ومنها أنّ الأفضل كان يعارض نزارا في أيّام أبيه، ويستخفّ به، ويضع من حواشيه وأسبابه، ويبطش بغلمانه. فلمّا مات المستنصر خافه لأنّه كان رجلا كبيرا، وله حاشية وأعوان، فقدّم لذلك أحمد بن المستنصر بعد ما اجتمع بالأمراء وخوّفهم من نزار، وما زال بهم حتى وافقوه على الإعراض عنه.

وكان من جملتهم محمود بن مصال، فسيّر خفية إلى نزار، وأعلمه بما كان من اتّفاق الأفضل مع الأمراء على إقامة أخيه أحمد وإدارته لهم عنه. فاستعدّ للمسير إلى الإسكندرية هو وابن مصال.

فلمّا فارق الأفضل ليحضر إليه بخطّ أبيه، خرج من القصر متنكّرا وسار هو وابن مصال إلى الإسكندرية وبها الأمير نصر الدّولة أفتكين - أحد مماليك أمير الجيوش بدر الجمالي - ودخلا عليه ليلا وأعلماه بما كان من الأفضل وتراميا عليه، ووعده نزار بأن يجعله وزيرا مكان الأفضل فقبلهما أتمّ قبول وبايع نزارا، وأحضر أهل الثّغر لمبايعته فبايعوه، ونعته ب «المصطفى لدين اللّه» (١).

فبلغ ذلك الأفضل، فأخذ يتجهّز لمحاربتهم وخرج في آخر المحرّم سنة ثمان وثمانين بعساكره وسار إلى الإسكندرية؛ فبرز إليه نزار وأفتكين، وكانت بين الفريقين عدّة حروب شديدة انكسر


(a) بولاق: قد وعده.
(١) يؤكّد إعلان نزار لنفسه إماما وخليفة في الإسكندرية ظهور دينار جديد إلى النور عام ١٩٩٤ م، هو أول نموذج معروف من هذا النوع، ضرب في الإسكندرية سنة ٤٨٨ هـ/ ١٠٩٥ م في الوقت الذي ثار فيه نزار هناك. ويحمل هذا الدينار الكتابة التالية:
(المصطفي لدين اللّه * ودعا الإمام نزار)