ووجدت صناديق مملوءة أقلاما مبرية من براية ابن مقلة وابن البوّاب وغيرهما (١).
قال: وكنت بمصر في العشر الأول من محرّم سنة إحدى وستين وأربع مائة، فرأيت فيها خمسة وعشرين جملا موقرة كتبا محمولة إلى/ دار الوزير أبي الفرج محمد بن جعفر المغربي، فسألت عنها، فعرفت أنّ الوزير أخذها من خزائن القصر هو والخطير ابن الموفّق في الدّين بإيجابات (a) وجبت لهما عمّا يستحقّانه وغلمانهما من ديوان الحلبيّين، وأنّ حصّة الوزير أبي الفرج منها قوّمت عليه، من جاري مماليكه وغلمانه، بخمسة آلاف دينار. وذكر لي من له خبرة بالكتب أنّها تبلغ أكثر من مائة ألف دينار. ونهب جميعها من داره يوم انهزم ناصر الدّولة ابن حمدان من مصر في صفر من السنة المذكورة، مع غيرها ممّا نهب من دور من سار معه من الوزير أبي الفرج وابن أبي كدينة وغيرهما.
هذا سوى ما كان في خزائن دار العلم بالقاهرة، وسوى ما صار إلى عماد الدّولة أبي الفضل ابن المحترق بالإسكندرية، ثم انتقل بعد مقتله إلى المغرب؛ وسوى ما ظفرت به لواتة محمولا مع من صار إليه بالابتياع والغصب في بحر النّيل إلى الإسكندرية، في سنة إحدى وستين وأربع مائة وما بعدها، من الكتب الجليلة المقدار المعدومة المثل في سائر الأمصار صحّة وحسن خطّ وتجليد وغرابة، التي أخذ جلودها عبيدهم وإماؤهم برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم، وأحرق ورقها تأوّلا منهم أنّها خرجت من قصر السّلطان - أعزّ اللّه نصره - وأنّ فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم. سوى ما غرق وتلف وحمل إلى سائر الأقطار، وبقي منها ما لم يحرق وسفت عليه الرّياح التّراب، فصار تلالا باقية إلى اليوم في نواحي أبيار تعرف بتلال الكتب (٢).
وقال ابن الطّوير: خزانة الكتب كانت في أحد مجالس البيمارستان (b) اليوم - يعني المارستان
(a) بولاق: بإيجاب. (b) بولاق: المارستان. (١) يقصد المقريزي الوزير أبا عليّ محمد بن علي بن الحسن ابن مقلّة وزير الخلفاء العباسيين المقتدر والقاهر والراضي، المتوفى سنة ٣٢٨ هـ/ ٩٤٠ م، وأبا الحسن علي بن هلال البغدادي الكاتب المعروف بابن البوّاب، المتوفى سنة ٤٢٣ هـ/ ١٠٣٢ م رائدي الخط العربي واللذين بدءا تحويله من الشكل الكوفي إلى الشكل الذي هو عليه الآن، وأصبحت طريقتهما وأسلوبهما في الكتابة هي السائدة حتى ظهرت مدرسة ياقوت المستعصمي في النصف الثاني للقرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي (راجع، أيمن فؤاد: الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات ٥٥ - ٦٢، ٣٠٧ - ٣١٢). (٢) لم أقف على هذا الخبر فيما وصل إلينا من كتاب «الذخائر والتحف» المنسوب إلى الرشيد بن الزبير، وقارن المقريزي: اتعاظ الحنفا ٢٩٤: ٢ - ٢٩٥.