للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو قاهر الفلك - فسمّوها «القاهرة»، واقتضى نظرهم أنّها لا تزال تحت القهر (a) (١).

وأدخل في دائر هذا السّور بئر العظام، وجعل القاهرة حارات للواصلين صحبته وصحبة مولاه المعزّ، وعمّر القصر بترتيب ألقاه إليه المعزّ.

ويقال: إنّ المعزّ لما رأى القاهرة لم يعجبه مكانها، وقال لجوهر: «لمّا فاتك عمارة القاهرة بالسّاحل، كان ينبغي عمارتها بهذا الجبل»، يعني سطح الجرف الذي يعرف اليوم بالرّصد المشرف على جامع راشدة (٢).

ورتّب في القصر جميع ما يحتاج إليه الخلفاء بحيث لا تراهم الأعين في النّقلة من مكان إلى مكان، وجعل في ساحاته البحر والميدان والبستان، وتقدّم بعمارة المصلّى بظاهر القاهرة.

وقد أدركت من هذا السّور اللّبن قطعا، وآخر ما رأيت منه قطعة كبيرة كانت فيما بين باب البرقيّة ودرب بطّوط، هدمها شخص من النّاس في سنة ثلاث وثمان مائة، فشاهدت من كبر لبنها ما يتعجّب منه في زمننا حتى إنّ اللّبنة تكون قدر ذراع في ثلثي ذراع. وعرض جدار السّور عدّة أذرع يسع أن يمرّ به فارسان، وكان بعيدا عن السّور الحجر الموجود الآن، وبينهما نحو الخمسين ذراعا. وما أحسب أنّه بقي الآن من هذا السّور اللّبن شيء ألبتّة.

وجوهر هذا مملوك روميّ (٣) ربّاه المعزّ لدين اللّه أبو تميم معدّ وكنّاه بأبي الحسن، وعظم محلّه


(a) في اتعاظ الحنفا: تحت حكم الأتراك.
(١) حول تسمية القاهرة انظر، ابن دقماق: الانتصار ٣٥: ٥؛ المقريزي: اتعاظ ١١٢: ١؛ أبا المحاسن: النجوم ٤١: ٤ - ٤٢؛ السيوطي: حسن ٢٥: ١ - ٢٦؛ Kunitz- sch، P. «Zur Namengebung Kairos (al-Qa? hir- Mars?»، Der Islam (١٩٧٥)، pp. ٢٠٥ - ٢٥; Fu'a? d Sayyid، A.، op.cit.، pp. ١٦٣ - ٦٤؛ وانظر رواية المسعودي حول بناء الإسكندرية فيما تقدم ٤٠٤: ١ - ٤٠٥.
(٢) ابن عبد الظاهر: الروضة ٢٠؛ ابن دقماق: الانتصار ٣٦: ٥؛ القلقشندي: صبح ٣٥١: ٣، ٣٦٧؛ المقريزي: اتعاظ ١١٢: ١ - ١١٣؛ ابن إياس: بدائع ١٨٨: ١/ ١؛ وفيما تقدم ١٢٨: ١.
(٣) جوهر الصّقلبي الكاتب أكبر قائد عسكري عرفه الفاطميون، وهو الذي استطاع أن يحقّق أغلى أماني الفاطميين: فتح مصر. وجاء نسب جوهر في أغلب المصادر «الصّقلّي» ورسم هذه الكلمة يتماثل مع كلمة «صقلبي» بزيادة نقطة الباء؛ وبما أننا لا نملك معلومات كافية عن انتشار العنصر الصّقلّي في بلاط الفاطميين، وإنّما نعلم أنّ عبيد الفاطميين في الدور الإفريقي كانوا من الصّقالبة فإنّ نسبة جوهر يجب أن تكون الصّقلبي وليس الصّقلّي وكما كتبها المقريزي بخطه في مسوّدة المقفى (نسخة ليدن رقم (Or. ١٤٥٣٣، وقد أوضح Ivan Herbek ذلك بحجج قوية في مقاله «Die Slaven im Dienst des Fatimiden»، Archiv Orientali XXI