للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأعاد البرّ سلطانه بحرا بالازدياد (١).

فإذا ارتوى أوام أكباد البلاد، وروى السّهل والوعر والهضاب والوهاد، وذهب إملاق الأرض بكلّ ملقة وخليج، وانجاب عنها فاهتزّت وربت، وأنبتت من كلّ زوج بهيج، بدت روضة نضرة بأملاق مقطّعة، كزمرّدة خضراء بلآلئ مرصّعة: فكم من غدير مستدير كبدر منير، ودقيق مستطيل كسيف صقيل، وكم من قليب قلاّب بماء كجلاّب، وكم من عظيم بركة فيركبها (a) النّسيم بلطفه، وطينها (b) عبير عنبرها فضمّخها بكفّه، وزهت بزهو نيلوفرها فغرقت بعرقه (c)، وكم ترى من ملقة لبقة، عليها عيون نرجس محدقة، كصحن خدّ عروس منمّقة.

والنّوّار قد دارت بمدام النّدى كؤوسه، وجالت في مراج الأفراح نفوسه، ونجم نجمه وابتسم عبوسه (d)، وسامره الرّذاذ المنهلّ، وباكره الطّلّ فكلّله بلؤلؤه وقلّده، وزاره النّسيم المعتلّ فأقامه وأقعده، ونمّق أرضه وروضه فذهّبه وفضّضه.

قد باهت (e) برياضها الغنّاء، وزهت بزخرفها وزينتها الحسناء، وامتدّ بساطها الزّمرّدي، وانبسط مداها (f) الزّبرجدي، فلا يدرك أقصاه ناظر مسافر، ولا يحيط بمنتهاه خيال ولا خاطر (٢).

فللّه درّها من روضة مزن، وكعبة حسن، ومقطّعات بماء غير آسن، وحرم بحر لحجاج طيره آمن. أتاها حجيج الطّير من كلّ فجّ عميق، ملبّيا داعي حسنها من كلّ مكان سحيق، قد امتطى ركبها متون الرّياح، وعلا جثمانها على (g) عالم الأرواح، ووصلن الإدلاج بالصّباح، وقطعن جناح (h) اللّيل بخفّاق الجناح كأنّهن الدّراري السّواري، أو المنشآت الجواري، أو المطايا المهاري.

[الطويل]

تواصل من جوّ حوائض مثله (i) … صعود على حكم الطّريق نزول


(a) بولاق: حركها.
(b) بولاق: وطيبها.
(c) بولاق: معرفها بعرفه.
(d) بولاق: عروسه.
(e) بولاق: تاهت.
(f) بولاق: مدادها.
(g) ساقطة من بولاق.
(h) بولاق: أجناح.
(i) بولاق: حوائض نيله.
(١) أمام هذه الفقرة في نسخة آياصوفيا: ذكر النيل.
(٢) أمام هذه الفقرة في نسخة آياصوفيا: صفة ربيع مصر.