فشاهدوا من عبادته وزهده ما زادهم رغبة فيه. هذا وهو يسألهم عن أحوالهم وقبائلهم حتى صار يعرف جميع أمورهم.
فلمّا وصلوا مصر، همّ بمفارقتهم، فقالوا: أيّ شيء تطلب من مصر؟ فقال: أطلب التّعليم بها؛ فقالوا: إذا كان قصدك هذا فبلادنا أنفع لك؛ وما زالوا به حتّى سار معهم.
فلمّا وصلوا بلادهم اقترعوا فيمن يضيّفه منهم ومن بقية أصحابهم، ووصلوا به أرض كتامة للنصف من ربيع الأوّل سنة ثمان وثمانين ومائتين، وكادوا يحتربون عليه أيّهم ينزل عنده؛ فأبى أن ينزل عندهم، وقال: أين يكون فجّ الأخيار؟ فعجبوا لذلك إذ لم يكونوا ذكروه له قطّ، فدلّوه عليه. فسار إليه وقال: هذا فجّ الأخيار، وما سمّي إلاّ بكم. ولقد جاء في الآثار «للمهدي هجرة تنبو (a) عن الأوطان ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزّمان، قوم اسمهم مشتقّ من الكتمان».
وبخروجكم في هذا الفجّ سمّي فجّ الأخيار (١).
فتسامعت به القبائل وأتوه، فعظم أمره وهو لا يذكر اسم المهدي ألبتّة.
فبلغ خبره إبراهيم بن أحمد بن الأغلب أمير إفريقيّة، فبعث يسأل عن خبره، وكانت له معه قصص آلت إلى قيام أبي عبد اللّه ومحاربته لمن خالفه، فظفر بهم وصارت إليه أموالهم، وغلب على مدائن، وهزم جيوش ابن الأغلب، وقتل كثيرا من أصحابه (٢).
(a) ساقطة من بولاق. (١) المصدر الأصلي لهذا النّصّ هو «رسالة افتتاح الدعوة» للقاضي النعمان ٧٣، كما ورد عند ابن الأثير: الكامل ٣٣: ٨؛ ابن خلدون: العبر ٣٢: ٤؛ المقريزي: اتعاظ الحنفا ٥٥: ١ - ٥٧، وفيما يلي ١١: ٢؛ وانظر عن الفاطميين في شمال إفريقيا - Talbi، M.، L'Emirat Aghlabide ١٨٤ ٢٩٦/ ٨٠٠ - ٩٠٠.Histoire politique، Paris-١٩٦٦، pp. ٦٢٣ - ٩٩; Dachraoui، F.، Le Califat fatimide au Maghreb ٢٩٦ - ٣٦٢/ ٩٠٩ - ٩٧٣; Histoire politique et institutions، Tunis STD ١٩٨١; Halm، H.، The Empire of the Mahdi-The Rise of the Fatimids، Translated form the German by Michael Bonner، Leiden-Brill ١٩٩٥; Brett، M.، The Rise of the Fatimids.The Word of The Mediterranean and the Middle East in the Tenth Century CE، Leiden-Brill ٢٠٠١. (٢) راجع عن الدولة الأغلبية التي أسقطها الفاطميون سنة ٢٩٦ هـ/ ٩٠٩ م دراسة محمد الطالبي الهامة TAlbi، M.، L'Emirat Aghlabide ١٨٤ - ٢٩٦/ ٨٠٠ - ٩٠٩.Histoire politique، Paris ١٩٦٦ (نقله إلى العربية المنجي الصيادي بعنوان: الدولة الأغلبية ١٨٤ - ٨٠٠/ ٢٩٦ - ٩٠٩، التاريخ السياسي، بيروت: دار الغرب الإسلامي ١٩٨٥؛ محمود إسماعيل: الأغالبة، القاهرة ١٩٧٢.