مررت على الميدان بالأمس ضاحيا … فأبصرته قفر الجناب فراعني
فناديت فيه: يا آل طولون ما لكم … همود (a) فما خلق بحرف أجابني
فأذريت عينا ذات دمع غزيرة … ورحت كئيب القلب ممّا أصابني
وإنّي عليهم ما بقيت كموجع … ولست أبالي من لحاني وعابني
وحدّث محمّد بن أبي يعقوب الكاتب (١)، قال: لمّا كانت ليلة عيد الفطر، من سنة اثنتين وتسعين ومائتين، تذكّرت ما كان فيه آل طولون في مثل هذه الليلة، من الزّيّ الحسن بالسّلاح وملوّنات البنود، والأعلام، وشهرة الثّياب، وكثرة الكراع، وأصوات الأبواق والطّبول، فاعتراني لذلك فكرة، ونمت في ليلتي فسمعت هاتفا يقول: ذهب الملك والتّملّك والزّينة لمّا مضى بنو طولون.
وقال القاضي أبو عمرو عثمان النّابلسي في كتاب «حسن السّريرة (b) في اتّخاذ الحصن بالجزيرة» (٢): رأيت كتابا قدر اثنتي عشرة كرّاسة، مضمونه فهرست شعراء الميدان الذي لأحمد ابن طولون قال: فإذا كانت أسماء الشّعراء في اثنتي عشرة كرّاسة، كم يكون شعرهم مع أنّه لم يوجد من ذلك الآن ديوان واحد؟! (٣)
وقال أبو الخطّاب بن دحية في كتاب «النّبراس»: وخرّبت قطائع أحمد بن طولون - يعني في الشّدّة العظمى زمن الخليفة المستنصر -، وهلك جميع من كان بها من السّاكنين، وكانت نيّفا على مائة ألف دار نزهة للناظرين محدقة بالجنان والبساتين، واللّه يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين (٤).
(a) بولاق: فهود. (b) بولاق: السيرة. (١) كذا في سائر النّسخ ولعلّ المقصود أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب المعروف باليعقوبي المتوفى بعد سنة ٢٩٢ هـ/ ٩٠٥ م، وهو جغرافي ومؤرّخ ولد في بغداد ولكنه غادرها إلى خراسان وأرمينية وفلسطين والمغرب وأقام في مصر وتمتع برعاية الطولونيين. (راجع، ياقوت: معجم الأدباء ١٥٣: ٥ - ١٥٤؛ المقريزي: المقفى الكبير ٧٣٨: ١؛ اليعقوبي: البلدان ٣٧٢). (٢) انظر فيما تقدم ٢٣١: ١. (٣) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٣٩: ٣ - ١٤٠. (٤) ابن دحية: النبراس في تاريخ خلفاء بني العباس ١٤٢، أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ١٤٠: ٣؛ وانظر فيما يلي ١٤٢.