للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الخليل: تعهَّد فلانٌ الشّئ وتعاهَدَ. قال أبو حاتم: تعهَّدت ضَيعتى، ولا يقال تعاهدت؛ لأن التعاهد لا يكون إلاَّ من اثنين. قلنا: والخليلُ على كلِّ حالٍ أعرَفُ بكلام العرب من النّضر (١). على أنّه يقال قد تَغافَلَ عن كذا، وتجاوَزَ عن كذا، وليس هذا من اثنين. وربّما سمَّوا الاشتراط استعهاداً (٢)، وإنَّما سمِّى كذا لأنَّ الشَّرط مما ينبغى الاحتفاظُ به إذا شُرِط. قال:

وما استعهَدَ الأقوامُ مِنْ زوج حُرَّةِ … من النّاس إلاّ منك أو من محاربِ (٣)

وفى كتاب اللّه تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ﴾، ومعناهُ واللّه أعلمُ: ألم أُقَدِّم إليكم من الأمر الذى أوجبتُ عليكم الاحتفاظَ به.

فهذا الذى ذكرناه من أوّل الباب إلى حيث انتهينا (٤) مطّرد فى القياسِ الذى قِسناه. وبقى فى الباب: العَهْد من المطر، وهو عِندنا من القياس الذى ذكرناه، وذلك أنَّ العَهْد على ما ذكره الخليلُ، هو من المطر الذى يأتى بعد الوَسْمىّ، وهو الذى يسمِّيه النَّاسُ الوَلِىّ. وإذا كان كذا كان قياسُه قياسَ قولِنا: هو يتعهَّد أمرَه وضيعتَه، كأنّ المطرَ وَسَمَ الأرضَ أوّلاً وتَعهَّدها ثانياً، أى احتفَظَ بها فأتاها (٥)


(١) الذى سبق ذكره هو «أبو حاتم» لا لنضر. فلعل الكلام قبله: «قال أبو حاتم والنضر».
(٢) فى اللسان: «واستعهد من صاحبه: اشترط عليه وكتب عليه عهدة».
(٣) لجرير فى ديوانه ٨٣ من قصيدة يهجو بها الفرزدق حين تزوج بنت زيق، كما فى اللسان (عهد) والرواية فيهما: «من ذى ختونة»، وهى أيضا رواية اللسان (ختن). ورواية أساس البلاغة تطابق ما فى المقاييس.
(٤) فى الأصل: «انتهيناه».
(٥) فى الأصل: «فأنيها».