وهو يتبرم بهمَذان والعيشِ فيها، فيرسم حياته فيها على هذَا النحو الساخر البديع:
سقى همذانَ الغيثُ لستُ بقائل … سوى ذا وفي الأحشاء نار تَضرّمُ (١)
وما لى لا أُصفِى الدُّعاءَ لبلدةٍ … أفدتُ بها نسيانَ ما كنتُ أَعلم
نَسِيت الذي أحسنتُه غير أننى … مَدِينٌ وما في جوف بيتىَ درهم
وهو صاحبُ حملة ما جنة على من يزهدون فِي الدِّينار والدِّرهم، ويطلبون المجد في العلم والعقل، أنشد البِيرونى له (٢):
قد قال فيما مضى حكيم … ما المرء إلا بأصغريه
فقلت قول امرئ لبيبٍ … ما المرء إِلا بدرهميه
من لم يكن مَعْهُ درهماه … لم تلتفت عِرسُه إِليه
وكان من ذُلِّهِ حقِيرا … تبول سنَّورُه عليه
ولابن فارس التفات عجيب إلى السنور، وقد سجل في غير هذا الموضع من شعره أنه كان يصطفى لنفسه هرة تلازمه، وتنفى عنه هموم قلبه ووساوس النفس:
وقالوا كيف أنت فقلت خيرٌ … تُقَضَّى حاجةٌ وتفوت حاجُ
إِذا ازدحمت همومُ القلب قلنا … عَسى يوما يكون لها انفراجُ
نديمى هِرّتى وسرور قلبى … دفاتر لى ومعشوقى السراج (٣)
وهو بصير ذو خبرة بطبائع الناس، واستئسارهم للمال، وخضوعهم له:
إذا كنت في حاجة مرسِلا … وأنت بها كَلِفٌ مغرمُ
(١) ياقوت، والثعالبى، وابن خلكان، وابن العماد.
(٢) الآثار الباقية ص ٣٣٨ وياقوت.
(٣) يتيمة الدهر، ودمية القصر، ونزهة الألباء، والمنتظم، وياقوت، وابن خلكان، واليافعى، وابن العماد.