صورة المسألة: لو أن رجلاً أوصى بأن تدفن كتب العلم التي له أو تغرق في الماء (١) بعد موته، وقد رويت الوصية بذلك عن جماعة من السلف، منهم: طاووس، وعبيدة، وشعبة، وأبي قلابة، وعيسى بن يونس، وبشر بن الحارث، وغيره (٢).
فهل تصح وصيته أو لا؟
لأهل العلم في هذه المسألة خمسة أقوال:
القول الأول: لا تصح هذه الوصية، فلا تدفن كتب العلم.
وهو قول الحنفية (٣)، والمعتمد عند الحنابلة (٤).
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
(١) وقد دفن بعض أهل العلم كتبه في حياته أو ألقاها في البحر؛ تزهداً أو تواضعاً أو خشيةً ممن لا ينتفع بها من بعده من ولده، ومنهم: يوسف بن أسباط، وحمل أحمد بن أبي الحواري كتبه إلى البحر فغرَّقها. وقد قال ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية: "وقد تزهد خلق كثير فأخرجوا ما بأيديهم، ثم احتاجوا فدخلوا في مكروهات … "، وقال: " فلا ينبغي للعاقل أن يعمل بمقتضى الحال الحاضرة، بل يصور كل ما يجوز وقوعه، وأكثر الناس لا ينظرون في العواقب ..... " الآداب الشرعية ١/ ٢٢٠، ٢/ ١١٥، وانظر: فتح القدير ١/ ٢٨٢. (٢) انظر: تقييد العلم ص ٦١، جامع بيان العلم ١/ ٧٦، سير أعلام النبلاء ١١/ ٣٩٦. (٣) البحر الرائق ٨/ ٥١٨. (٤) الفروع ٤/ ٦٩٢، الإنصاف ١٧/ ٣٤١.