للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة، والشخص بعد موته له التبرع بالثلث صدقة من الله ﷿، ولما في ذلك من المحافظة على حقوق الورثة.

[المسألة الثانية: وقف المريض مرض الموت على جميع ورثته على قدر مواريثهم]

اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: أنه يصح الوقف على جميع الورثة إذا كان بقدر الثلث فأقل على قدر أنصبائهم، من غير إجازة الورثة، وليس لهم نقضه، وما زاد على الثلث لا بد من إجازة الورثة.

وهو قول الحنفية (١)، وبعض المالكية (٢)، والشافعية (٣)، والحنابلة (٤).

وحجته:

١ - الأدلة الدالة على أن للمريض أن يتبرع بثلث ماله (٥).

٢ - أنه يملك إخراج الثلث عن الوارث بالكلية فوقفه عليه أولى.

٣ - أن الوقف على الورثة يلزم بمجرد اللفظ قهراً عليهم؛ لأن القصد من الوقف دوام الثواب للواقف، فلا يملك الوارث رده؛ إذ لا ضرر عليه (٦).

القول الثاني: أنه لا يصح إلا بإجازة الورثة، ويعتبر وقف ابتداء منهم، وسواء بقدر الثلث أو أكثر، إلا أنه لو صح من مرضه وقبض عنه صح وقفه ولو مات بعد ذلك.

وهو قول المالكية (٧).


(١) ينظر: الفتاوى الهندية ٢/ ٤٥١، حاشية رد المحتار ٤/ ٣٩٦، البحر الرائق ٥/ ١٩٥.
(٢) حاشية الرهوني ٧/ ١٤٦.
(٣) مغني المحتاج ٣/ ٤٣، نهاية المحتاج ٦/ ٤٩.
(٤) الوقوف ١/ ٣٣٦، المغني ٥/ ٦٢٩، شرح الزركشي ٤/ ٢٨٧.
(٥) تخريجها برقم (٢٨٤).
(٦) المصادر السابقة.
(٧) حاشية الرهوني ٧/ ١٤٦.
وقد استثنى المالكية من منع الوقف على بعض الورثة دون بعض في المرض، مسألة تعرف عندهم بمسألة أولاد الأعيان.
وضابطها: أن يحبس المريض في مرضه المخوف ما يحمله الثلث على الوارث وغيره حبساً معقباً، مثل تحبيسه على أولاده، وأولاد أولاده دون زوجته وأمه مثلاً، فإن الحبس يصح عندهم ولا يبطل لتعلق حق العقب به، ولهذا إذا كان غير معقب فإنه يبطل ما ينوب الورثة، ويصح ما ينوب غير الورثة كما أنه زاد على الثلث يبطل في الزائد على الثلث، إلا أن يجيزه الورثة.
وفي حالة توفر شرطي التعقيب والثلث، فإن الحبس يقسم بين المحبس عليهم من الورثة وغيرهم، على عدد روؤسهم، فما ناب الأولاد يقسم بينهم وبين باقي الورثة الذين لم يشملهم الحبس على حسب الفرائض، للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان فيهم ذو فرض أخذ فرضه ثم يقسم الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، ولو شرط المحبس خلاف ذلك؛ لأنه شرط باطل، مخالف للشرع، وقد قال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".
بخلاف نصيب غير الورثة فإنه يراعى فيه شرط المحبس من تفاضل أو تسوية، ولو اختلفت حاجتهم وقوفاً مع شرطه الجائز، فإن أطلق سوى فيه بينهم.
وكمثال على ذلك مسألة المدونة، مريض له ثلاثة أولاد، وأربعة أولاد أولاده، وزوجة وأم، حبس على أولاده وأولادهم، وترك أمه، وزوجت هـ، فإن الحبس يقسم على سبعة عدد رؤوسهم ثلاثة أسباع الأولاد تقسم بينهم وبين الأم والزوجة، تأخذ الأم سدسها منها، والزوجة ثمنها كذلك، والباقي لأولاد الأعيان يقسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.
ونصيب أولاد الأولاد وقف، يعمل فيه بشرط المحبس.
وإن مات أحد أولاد الأعيان، أو أولاد الأولاد، أو زاد عددهم نقض القسم، وأعيد قسمه على العدد الموجود، فإن مات واحد قسم على ستة، وإن مات اثنان قسم على خمسة، وإذا زاد واحد على السبعة قسم على ثمانية، وإذا ازداد ثلاثة قسم على عشرة وهكذا.
وفي جميع الحالات ما ينوب أبناء الأعيان يشاركهم فيه باقي الورثة: الأم، والزوجة في مثالنا، بخلاف موت الزوجة، والأم، فإنه لا ينتقض القسم به ويعود نصيبهما لورثتهما، أو ورثة ورثتهما إلى أن يموت جميع أبناء الأعيان، فيعود الحبس كله لأولاد الأولاد، وينقطع حق الأم والزوجة؛ لأنهما كانا يأخذانه بالتبع لأولاد الأعيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>