قال تعالى بعد أن بين أنصباء بعض الورثة: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ (١)، وقال بعد أن بين أنصباء بعض آخر منهم: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ (٢)، فعلم أن هذه الأنصباء إنما يستحقها أصحابها بعد الوصية والدين، وهذا دليل على تأخر الميراث في التنفيذ عن الوصية والدين.
وكما تؤخر المواريث في التنفيذ عنهما وتؤخر الوصية عن الدين، فإن استغرق الدين جميع التركة بطل حق الموصى له وحق الوارث، وإن فضل بعده شيء أخرجت الوصية من ثلث ما فضل، وقسم الباقي بين الورثة على حسب مواريثهم.
(١٨) ما رواه الترمذي من طريق الحارث، عن علي ﵁" أن النبي ﷺ قضى بالدين قبل الوصية، وأنتم تقرؤون الوصية قبل الدين "(٣).
(١) من الآية ١١ من سورة النساء. (٢) من الآية ١٢ من سورة النساء. (٣) سنن الترمذي - كتاب الوصايا/ باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية (٢٢٦٨). قال الحافظ في تهذيب التهذيب ٢/ ١٤٦: " وفي -مسند أحمد- عن وكيع عن أبيه: قال حبيب بن أبى ثابت لأبى إسحاق حين حدث عن الحارث عن علي في الوتر: يا أبا إسحاق يساوي حديثك هذا ملء مسجدك ذهبا، وقال الدارقطنى: الحارث ضعيف". وقال ابن عدى: عامة ما يرويه غير محفوظ. وقال ابن حبان: كان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث، مات سنة خمس وستين. وكذا ذكر وفاته إسحاق القراب في " تاريخه ". وقرأته بخط الذهبي. وقال ابن أبى خيثمة: قيل ليحيى: يحتج بالحارث، فقال: مازال المحدثون يقبلون حديثه. وقال ابن عبد البر في كتاب "العلم" له لما حكى عن إبراهيم أنه كذب الحارث: أظن الشعبي عوقب بقوله في الحارث كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي. وقال ابن سعد: كان له قول سوء، وهو ضعيف في رأيه، توفي أيام ابن الزبير. وقال ابن شاهين في "الثقات": قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه، وما أحسن ما روى عن علي، وأثنى عليه. قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب، قال: لم يكن يكذب في الحديث إنما كان كذبه في رأيه. وقرأت بخط الذهبي في "الميزان": والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به، والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب، وهذا الشعبي يكذبه، ثم يروى عنه، والظاهر أنه يكذب حكاياته لا فى الحديث ". قلت: لم يحتج به النسائي، وإنما أخرج له في "السنن" حديثا واحدا مقرونا بابن ميسرة، وآخر في " اليوم والليلة " متابعة، هذا جميع ما له عنده. وذكر الحافظ المنذري أن ابن حبان احتج به في "صحيحه"، و لم أر ذلك لابن حبان، وإنما أخرج من طريق عمرو بن مرة عن الحارث بن عبد الله الكوفي عن ابن مسعود حديثاً، والحارث بن عبد الله الكوفي هذا هو عند ابن حبان رجل ثقة غير الحارث الأعور، كذا ذكر في " الثقات ". قال الحافظ في تقريب التهذيب ١/ ١٧٥: " وفي حديثه ضعف ".