المسألة الثانية: موانع الرجوع عن الوقف المطلق عند من قال بعدم لزوم الوقف:
لقد سبق أن العلماء مختلفون في عقد الوقف هل هو عقد لازم يلزم بمجرد صيغته؟ أو أنه عقد جائز يصح للواقف الرجوع عنه؟، وأن الراجح أنه يقع لازماً، فلا يصح فسخه، لكن من قال بعدم لزوم عقد الوقف ذكروا موانع تمنع من الرجوع في الوقف، وهي كما يلي:
الأول: أن يحكم بالوقف حاكم، فإذا حكم به حاكم كان ذلك كافياً لمنع فسخ الوقف.
وبهذا قال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن (١).
وعلة ذلك عندهم: أن لزوم الوقف بالقول، أو ما يقوم مقامه مختلف فيه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف (٢).
ولكنهم يشترطون في حكم الحاكم الذي يمنع الفسخ أن يكون الحكم وارداً على لزوم الوقف لا على صحته، فإن ورد على لزوم الوقف مُنع به الفسخ، وذلك كما لو سلّم الواقف الوقف إلى الناظر، ثم طالب بعد ذلك الواقف باسترجاعه فيأبى الناظر؛ لكونه يرى أن الوقف قد لزم، فيرفعان الأمر إلى القاضي فيحكم القاضي بلزوم الوقف، فإن هذا الوقف لا يصح الرجوع عنه.
وأما إذا كان الحكم وارداً على صحة الوقف، كما لو ادعت عليه زوجته تعليق طلاقها على وقفه أرضه، فأنكر الزوج صحة الوقف؛ لكونه علقه بشرط مثلاً -وهو يرى أن تعليق الوقف بشرط يفسده-، فرفعا أمرهما إلى قاضٍ فحكم بصحة الوقف، فإن هذا لا يمنع الرجوع للواقف؛ لأن الحكم لم يرد