ثانيها: أن القدرة على قضاء الدين ببيع المال الموجود أظهر وأقرب من القدرة عليه بالاستقراض وغيره، فيكون المصير إليه أسرع في إبراء الذمة وأداء حق أهل الحق.
ثالثها: أن حق الغرماء قد تعلّق بمال المدين الموجود حال الإفلاس، فتعّين أن يُقضى منه، بدليل أنه لا يجب عليه أكثر مما عنده، يدل على ذلك قوله ﷺ في حديث أبي سعيد الخدري ﵁:"خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك"(١).
الترجيح:
والذي يترجح لي -والله أعلم- قول جمهور الفقهاء، القائلين بأن المدين المفلس يحجر عليه، ويمنع من التصرف في ماله بما يضر بحق الغرماء كالوقف؛ وذلك لقوة أدلتهم، وصراحتها، وبعدها عن التأويلات المحتملة العارية عن مستند.
[المسألة الثانية: وقف المدين الذي لم يحجر عليه القاضي]
إذا كان على شخص دين ولم يحجر عليه القاضي فهل يصح وقفه؟
اختلف العلماء ﵏ على قولين:
القول الأول: أنه لا يصح وقفه إذا كان الدين مستغرقاً.
وبه قال بعض الحنفية (٢)، والمالكية (٣)، واختاره شيخ الإسلام (٤).
وعند المالكية: أن العقد غير لازم، فإن أجازه صاحب الدين نفذ.
وعندهم أيضا: إن جهل السابق من الدين أو الوقف، فإن كان الوقف
(١) تقدم تخريجه برقم (٨٥). (٢) حاشية ابن عابدين، مصدر سابق، (٤/ ٣٩٩). (٣) بلغة السالك (٢/ ٣١٢)، حاشية الدسوقي (٤/ ٨٠). (٤) الاختيارات (ص ٢٠٢).