والحجة فيه: أنه ﷺ أنكر عليه الوصية بأكثر من الثلث ولم ينكر عليه جعل الوصية لغير قرابته، فدل ذلك على نسخ الوصية للوالدين والأقربين، كما أن جماعة من الصحابة تركوا الوصية في حياته ولم ينكر عليهم، فدل ذلك على نسخ وجوب الوصية جملة، والصحيح عند الأصوليين: جواز النسخ بتقريره ﷺ كجوازه بفعله (١)، وأن تقريره ﷺ على الجواز للفاعل وغيره.
القول التاسع: أنها منسوخة بفعله ﷺ، فإنه لم يوص لأحد بشيء كما سبق في أحاديث عائشة، وابن عباس، وعبد الله بن أبي أوفى ﵃(٢)، ولو كانت الوصية واجبة لكان أسبق الناس إليها، ولما تركها، ودلالة الترك على النسخ كدلالة الفعل عليه، كاستدلالهم.
الوجه الرابع عن الاستدلال بالآية: بأن آية الوصية غير منسوخة، وأن المقصود بها الوصية بتوريث الوالدين والأقربين على حسب الفرائض المبينة، فالوصية المكتوبة في آية البقرة مجملة في المقادير، وفي أعيان الأقربين، جاءت أولا مجملة، ثم بينت في آية ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ (٣)(٤) نظير آية ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ﴾ (٥) حيث قررت مبدأ الإرث مجملا في مقاديره وأهله، ثم نزل بيانه في آية ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾ (٦).
وأجيب عنه بأمور:
الأول: يلزم عليه التكليف بالمحال، وهو تكليف من حضره الموت
(١) البحر المحيط للزركشي، مرجع سابق، ٥/ ٥٠٧. (٢) سبق تخريجها برقم (٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥). (٣) من الآية ١١ من سورة النساء. (٤) انظر: حاشية الرهوني ٨/ ٢٢٦، الفتح ٥/ ٣٧٣، البحر الرائق ٢/ ١٠٨. (٥) من الآية ٧ من سورة النساء. (٦) من الآية ١١ من سورة النساء.