لهم، والوصية لغيرهم وجعل ما بقي ميراثا للورثة على سهام مواريثهم، وليس يجوز ذلك إلا وقد نسخ تلك الوصية.
ثم أضاف يقول: فلما أطلق الوصية في آية المواريث بلفظ منكر ثبت أنه لم يرد بها الوصية المذكورة للوالدين والأقربين، وأنها مطلقة جائزة لسائر الناس، ثم يقول: وفي ذلك نسخ الوصية للوالدين والأقربين " (١).
إلا أن هذا القول يرد عليه أنه مبني على قاعدتين خلافيتين:
الأولى: أن المعرفة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى وهي قاعدة لغوية غير محررة، ولا مطردة، ومن شرطها أن تكون النكرة والمعرفة مذكورتين في كلام واحد أو كلامين بينهما تواصل، بأن يكون أحدهما معطوفاً على الآخر وله به تعلق (٢) وهذا الشرط غير متوفر؛ لأن الوصية المعرفة جاءت في البقرة، ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ والمنكرة في سورة النساء، بالإضافة إلى ما ذكر من عدم تحرير القاعدة واطرادها، فقد أعيدت المعرفة نكرة وهي عين الأولى في كثير من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ (٣).
والقاعدة الثانية: التي بنى عليها الجصاص قوله هي: أن المطلق المتأخر ناسخ للمقيد المتقدم، كالعام المتأخر، فالوصية في البقرة مقيدة بكونها للوالدين والأقربين، والتي في المواريث مطلقة: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ﴾ ولذلك نسختها، بناء على مذهب الحنفية (٤).
وعلى القول بأن المطلق محمول على المقيد مطلقاً، أو إذا اتحد سببهما
(١) أحكام القرآن للجصاص، مرجع سابق، ١/ ١٦٦. (٢) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ١/ ١٩٣، الوصايا والتنزيل ص ٦٠. (٣) من الآية ٢٨ من سورة الزمر. (٤) فواتح الرحموت ومسلم الثبوت ١/ ٣٦٣.